جاء في “الراي” الكويتية:
يدخل لبنان بدءاً من هذا الأسبوع، مرحلةً نفطية جديدة عنوانها «البلوك رقم 9»، يُتوقَّع أن تحرف الأنظار جزئياً عن الأزماتِ الداخلية التي زُجّتْ معها البلادُ في «بئر سحيق» يتداخل فيه السياسي بالمالي – النقدي وبدأت «مكوّناته» أخيراً تولّد «تفاعلاتٍ» أمنيةً أخذتْ تطلّ على أرضٍ «مخصّبة» بالتوترات والمشاحناتِ، على غرار ما عبّرت عنه الأحداث الدموية (الأربعاء) على خلفية شاحنة الذخائر لـ«حزب الله» التي انقلبت في منطقة الكحالة وفجّرت مواجهات بين أهالي المنطقة و«فرقة حماية» الشحنة أدت إلى مقتل أحد أبناء البلدة وعنصر من الحزب.
وبعد 10 أشهر من اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، يعود ملف النفط والغاز الى واجهة الحدَث المحلي، إذ يفترض أن تصل منصة الحفر التي تعاقدت معها شركة «توتال» بين ليل اليوم وليل الأربعاء، إلى البحر المتوسط ضمن المياه الاقليمية اللبنانية، بعدما كانت في منطقة الشمال البريطاني، ومن المقرر ان ترسو في مرفأ بيروت، تمهيداً لبدء مرحلة الحفر.
وكان لبنان ينتظر وصول المنصة بحلول منتصف الجاري على أن تبدأ عملية الحفر في البلوك الرقم 9 مع نهاية سبتمبر، بحسب ما أعلنت «توتال» كشركة مشغّلة خلال لقاء وفد منها مع وزير الاشغال علي حمية.
وهذا البلوك هو الثاني الذي تعمل فيه «توتال» لاستكشاف إمكان وجود مخزون من الغاز فيه، إذ كانت الشركة الفرنسية نفّذت عملية استكشاف للبلوك الرقم 4 عام 2020 لكن النتائج لم تكن على قدر التوقعات اللبنانية.
وبعدها ارجأت «توتال» أعمال الحفر في البلوك 9، بعدما كانت الدولة اللبنانية مدّدت العقود نتيجة انتشار وباء كورونا، لكن السبب الحقيقي الذي كان وراء تريُّث «توتال»، تمثّل في انتظار انتهاء ملف الترسيم البحري.
فالرقعة البحرية الرقم 9، قريبة نحو 130 كيلومتراً من الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، ولم يكن بإمكان الشركة الفرنسية المغامَرة في بدء أعمال التنقيب من دون توصل لبنان واسرائيل الى اتفاق، لاسيما في ظل التهديدات المتبادَلة التي «تطايرتْ» بين تل أبيب و«حزب الله» حول تَقاسُم المنطقة البحرية، وتحديد علاماتها.
أما وقد تم الاتفاق برعاية الأمم المتحدة وبوساطة من الولايات المتحدة في نهاية اكتوبر الماضي، وبمشاركة فرنسية، وقبل انتهاء عهد الرئيس العماد ميشال عون، فقد تحرّك مجدداً مسار التنقيب.
وأعلنت «توتال» بعد نحو شهرين من توقيع اتفاق الترسيم، عن تنسيقها مع وزارة الطاقة لبدء عملية الحفر في سبتمبر 2023. وبدأت الشركة منذ ذلك الحين تنفيذ عملية استئجار منصة الحفر Transocean Barents، بالتعاون مع شركائها «ايني» الايطالية و«قطر اينرجي» التي حلّت في بداية السنة محل الشريك الروسي «نوفاتيك» الذي انسحب من العملية، واعتُبرت مشاركتُها مساهمةً خليجية في ملف النفط اللبناني، وخطوةً تؤكد أحقية الرهان على مستقبل لبنان النفطي.
كما عملت «توتال» على تجهيز البنية التحتية وإعداد الموظفين والمعدات اللازمة، ناهيك بمواكبة تحضير طواقم الحفر والطوافات والسفن المرافقة.
علماً أن طريقة عمل المنصة (التي تقوم بها الشركة المالكة) تقوم على تأمين فريقيْ عمل يعملان مداورة كل واحد منهما لمدة 24 ساعة لمدة 15 يوماً.
كذلك أجرت سفينة مختصة بالشؤون البيئية مسحاً بيئياً شاملاً لمدة أسبوع، وهذا العمل يُشكّل إحدى الخطوات الأساسية قبل بدء عملية الحفر.
إذاً تبدأ عملية الحفر مبدئياً في نهاية سبتمبر وتستغرق مدة شهرين، يصار بعدها الى تحليل المعطيات التي تفرزها عملية الحفر، بحثاً عن بترول أو غاز أو أيّ مشتقات نفطية، في مهلة تستغرق كذلك نحو شهرين.
ويعوّل لبنان على البلوك 9، لإيجاد كميات وافرة من الغاز، استناداً الى ما حققتْه اسرائيل من إنتاج غاز في المناطق والبئر المجاورة لرقعة الحفر اللبنانية. وهذا التعويل يُشكّل دافعاً لإطلاق عمليات المناقصة في البلوكات الثمانية الأخرى، من أصل عشر بلوكات قسّمتها وزارة الطاقة، للبحر اللبناني.
ولبنان يراهن على الغاز، بحسب تصريحات عدد من مسؤوليه، سواء في وزارة الطاقة أو على مستوى قياداته السياسية لتغطية ديونه، وهو أمر ترْفضه القوى السياسية المُعارِضة وأخرى من خارجها، تعوّل على هذه الثروة الدفينة بوصْفها «آخِر حبْل نجاة» لضمان وضْع الاقتصاد مجدداً على سكة التنمية وحفْظ مستقبل الأجيال المقبلة، بعيداً من أيّ مساس بالعائدات، لا لسداد ديون أو عجز أو تمويل إنفاقٍ عام، ومن أجل ذلك تم الإعداد لإنشاء صندوق سيادي (فيه محفظتان: الأولى للتنمية والثانية للادخار والاستثمار) لإدارة عائدات الثروة النفطية من خلال اقتراح قانون يُعمل على إقراره في الجلسة التشريعية للبرلمان الخميس بحال توافر نصابها في ظل الشغور الرئاسي
لكنّ عمليةَ الحفر، ليست معزولةً عن مجموعة من الإجراءات يُفترض أن يبدأ التحضير لها، وقد خصصت وزارة الاشغال التي تهتم بالامور اللوجستية (في حين تشرف وزارة الطاقة وهيئة ادارة قطاع البترول على الملف الكامل) مساحةً في مرفأ بيروت لتخزين معدات الحفر وتنقل البواخر، وتنسيق عمل طوافات «توتال» وتنقلها بين المنصة ومطار بيروت.
كذلك يُنتظر تنفيذ مزيد من الإجراءات الأمنية لحماية عملية الحفر بالتعاون مع الجيش اللبناني – خشية حصول أي خرق أمني – على مستوى المرفأ والمطار ومنصة الحفر و البحر وضمان خط سير الطوفات.
يضاف الى ذلك، تأمين جهوزية وحق لبنان في حصة توظيفية، إذا أسفر تحليل المعطيات خلال الأشهر الأربعة المقبلة عن نتائج ايجابية، تضع «بلاد الأرز» على خريطة النفط في المنطقة.
ومن الآن وحتى نهاية السنة، سيضع لبنان رهاناته النفطية على الطاولة، ومن الصعب تَصَوُّر حصول نكسة جديدة بعد عدم اكتشاف غاز في البلوك 4، لأن ذلك قد يطيح بالآمال في أن يصار الى تلزيم البلوكات الأخرى ليندثر بذلك حلم لبنان باكتشاف «جزيرة الكنز» النفطي وتنطفئ قطرة الضوء في الواقع الداخلي القابع في «عنق زجاجة» مأزق الانتخابات الرئاسية، التي تشهد محاولاتٍ لإحداث اختراقٍ نوعيّ فيها عبر «إنزالٍ» سياسي خارقٍ لخطوط التمتْرس، ويُشاع أنه بات قريباً من الإنجاز على متن اتفاق بين «حزب الله»، المتمسك بخيار سليمان فرنجية، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، يُراد إكمال عناصره قبل عودة الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان إلى بيروت الشهر المقبل، بحيث يكون «ورقةً ذهبية» تُرْبِك غالبية قوى المعارضة وتقلب التوازنَ السلبي، من دون أن يُعرف هل سيكون هذا كافياً لإتمام الاستحقاق الرئاسي.