كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
في اللعبة، هناك وقت مستقطع يُفترض أن ينتهي في أيلول، مع عودة الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان. وفي هذا الوقت، جميع اللاعبين يرتّبون أوراقهم، ويستعد كل منهم ليكون الأقوى في المواجهة السياسية المرتقبة.
ستكون الأزمة في لبنان، ومن ضمنها ملف رئاسة الجمهورية، جزءاً من اهتمامات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الشرق أوسطية، في الأشهر الـ16 الأخيرة من عهده. وهناك مَن يعتقد أنّ تسويةً ستولد في لبنان خلال هذه الفترة، وخلالها، سيتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن أحداً لا يمكنه الجزم ما هو الموعد، لأنّ عناصر كثيرة تتداخل في هذه الأزمة.
البعض يردّد أنّ الرئيس اللبناني الجديد قد يأتي بالتزامن مع انتخاب رئيس أميركي جديد أو مع بداية ولاية ثانية لبايدن، إذا نجح في التجديد. وفي رأي هؤلاء، ربما سيتكرّر السيناريو الذي تمّ فيه انتخاب الرئيس ميشال عون، تزامناً مع انتخاب دونالد ترامب في واشنطن.
لكن آخرين يعتبرون أنّ لبنان 2023، في ظلّ انهيار مريع، لا يتحمّل فراغاً في موقع الرئاسة يطول لأكثر من عامين، كما تحمّل بين 2014 و2016. ولذلك، سترفع القوى الدولية والإقليمية منسوب ضغوطها على السياسيين في لبنان، لدفعهم إلى تسوية.
ويتمثل هذا الضغط بالمهمّة التي سيؤديها لودريان في بيروت خلال أيلول المقبل، مكلّفاً من الاجتماع الأخير الذي عقدته اللجنة الخماسية في الدوحة. وثمة تباينات عميقة بين أعضاء اللجنة، في أسلوب التعاطي كما في الأهداف، لكن الجميع يتفق على أولوية واحدة: ضمان استقرار لبنان سياسياً ومالياً وأمنياً في الحدّ الأدنى. فلا أحد يريد أن يسقط هيكل الدولة بكامله، ويتَحوّل لبنان بؤرة تفجير في بيئته الإقليمية.
لذلك، يتحدث البعض عن ضغوط ستمارسها القوى الخمس، عبر لودريان، لإنجاز تسوية مطلع الخريف المقبل، تضمن انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكن هذه الضغوط ستصطدم على الأرجح بالتشدّد الإيراني، أي بإصرار «حزب الله» على إيصال المرشح الذي يدعمه، تحت طائلة استمرار الفراغ. ومن شأن استمرار هذا التشدّد أن يُبقي الملف في دائرة المراوحة لفترة يصعب تحديدها. لذلك، يتوقع البعض أن تكون المواجهة السياسية الآتية شرسة، بدءاً من أيلول المقبل. وسيعمل كل فريق داخلي وخارجي على استجماع عناصر القوة المتاحة لاستخدامها.
في الداخل، قوى المعارضة تريد الانطلاق من نتائج الجلسة الانتخابية الأخيرة، حيث تفوّق مرشحها جهاد أزعور على الوزير السابق سليمان فرنجية. وهي تأمل في الاستحصال على أصوات إضافية قليلة لتحقيق الفوز.
لكن الفريق السياسي المقابل، وعلى رأسه «حزب الله»، يدرك جيداً أنّ تحصيل المعارضة مزيداً من الأصوات في أي جلسة مقبلة صعب جداً، لأنّ كل القوى الحليفة له في المجلس النيابي عصيّة على الخرق واقعياً. وعلى العكس، يبذل «الحزب» من جهته جهوداً لإحداث خروق جدّية في جبهة مرشح المعارضة، وأبرزها العمل على إعادة تموضع «التيار الوطني الحر»، وفك ارتباطه بالفريق المعارض. وضمن هذه الرؤية، تدور اليوم مفاوضات بين «الحزب» ورئيس «التيار» جبران باسيل.
وتوحي مصادر الطرفين أنّ النتائج إيجابية حتى الآن، إذ يتحدث البعض عن توافق يمكن أن يتحقّق قريباً. وإذا صحّ ذلك، تكون المعارضة أمام احتمال انقلاب حساباتها رأساً على عقب. فخروج تكتل باسيل من «التقاطع» مع قوى المعارضة يُفقدها أرجحية مبدئية تمتلكها اليوم، ويقدّم إلى المعسكر المقابل هدية ثمينة. وهذا ما يعمل «الحزب» على تحقيقه.
ويخوض «الحزب» وباسيل مفاوضات يمكن لا بدّ منها، لأنّ الطرفين مجبران على التفاهم مجدداً. فمصلحة «الحزب» تقضي باستيعاب الحليف المسيحي مجدداً، وقبل أن يضطر الرئيس نبيه بري إلى عقد جلسة انتخاب جديدة، تحت ضغط الخارج.
وكذلك، من جهته، وجد باسيل أنّ مصلحته تقتضي التفاهم مع «الحزب» مجدداً وتحصيل ما أمكن من مكاسب، بعدما نجح في إظهار أنّه «بيضة القبان» في المجلس النيابي.
والأرجح أنّ المساومات الدائرة اليوم بين الطرفين تهدف إلى إيجاد صيغة «العودة» التي تحفظ للجميع ماء الوجه. ولكن، واقعياً، سيضع باسيل يده في يد «الحزب» مجدداً، من دون أن يحصل على مكاسب مهمّة، لأنّه الطرف الأضعف في الصفقة.
وقد ينجح «الحزب» في إبعاد باسيل عن معسكر المعارضة قبل عودة لودريان، فيضمن انفراط الجبهة المقابلة، ويطمئن إلى نتائج أي جلسة انتخاب مقبلة. وفي هذه الحال، سيكون مستعداً للمواجهة ما دامت الغالبية قد انقلبت، فلا يلجأ إلى تعطيل النصاب في الجلسة الثانية.
وعلى العكس، سيلجأ الفريق المعارض مجدداً إلى سلاح تطيير النصاب. ومن المفارقات حينذاك أنّ أركان اللجنة الخماسية سيصطدمون بفريق المعارضة بدلاً من الاصطدام بـ»الحزب»، باعتباره هو المعطّل هذه المرّة، وسيطلبون من المعارضة أن تؤمّن النصاب لانتخاب الرئيس. وإذا حصل ذلك، فإنّه سيعني فوز المرشح الذي يدعمه «حزب الله»، مرة أخرى، وكما حصل في العام 2016.