كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
الغرامات المالية المفروضة على قطع الأشجار لم تعد توجع المخالفين إذا ما قورنت بأرباح بيع الحطب والفحم. وعقوبة السجن التي لوّح بها قانون الغابات باتت خارج المتناول مع اكتظاظ السّجون وفقدان القدرة على إطعام المساجين. بذلك، لم يعد ضبط مخالفة رخصة تشحيل أشجار خبراً جديداً، بل هو تأكيد على استسهال ارتكاب الجرائم البيئية في غياب الرادع القانوني.
قبل عام، منحت مصلحة الأحراج والثروة الطبيعية في وزارة الزراعة موافقتها على تشحيل وتفحيم 500 شجرة سنديان بداعي الاستثمار في العقار الرقم 1255 في بلدة حجولا (قضاء جبيل)، ما ينتج عنه 20 طناً من الحطب و5 أطنان من الفحم، مقابل إيداع مالية المحافظة مبلغ 3 ملايين و750 ألف ليرة على سبيل الأمانة. سارت عملية التشحيل وفق الرخصة، بحضور مندوب عن وزارة الزراعة مكلّف من مديرية التنمية الريفية والثروات الطبيعية، وروعيت فيها الشروط العامة للتشحيل والتفحيم. لكن «صاحب الرخصة لم يلتزم بالعدد الذي سمحنا به وشحّل عدداً أكبر من الأشجار»، بحسب وزير الزراعة عباس الحاج حسن.
وأوضح مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة شادي مهنّا لـ«الأخبار» أنّه «بعد شهرين من انتهاء التشحيل وردنا بلاغ عن استمرار العمل، فزار فريق من الوزارة المكان، وسطّرنا محضر ضبط بمخالفة الرخصة، بعدما تبيّن قطع 100 شجرة سنديان إضافية تعادل أربعة أطنان من الحطب، والملف الآن في عهدة المدّعي العام البيئي في جبل لبنان فادي ملكون».
لكن للناشط البيئي رئيس «جمعية الأرض – لبنان»، بول أبي راشد، رأياً آخر حيال حجم المخالفة. فـ«صور الأقمار الاصطناعية في غوغل إيرث تظهر أنّ التشحيل طاول مساحة 33 ألف متر مربع، خلافاً لما نقلته وزارة الزراعة عن ترخيص للتشحيل على مساحة 4 آلاف متر مربع، وتقدير المخالفة بقطع 100 شجرة إضافية فقط». وتعليقاً على ردّ وزارة الزراعة بأنه «ربما، هناك تشحيل مرخّص له في عقار آخر»، يشير أبي راشد إلى أنّ «الصور تكشف أنّ الجبل شُحّل في الوقت نفسه وبالطريقة نفسها».
ليس حجم المخالفة وحده هو الأمر الغامض في هذه القضية، إذ إن المُعتدي أيضاً لا يزال مجهولاً. يوضح مهنا أن صاحب الرخصة «قال لدى استجوابه إنه لزّم التشحيل إلى طرف ثان، لزّمه بدوره إلى طرف ثالث»، ما يعني، عملياً، أن «الطاسة ضايعة»، علماً أنّ «المسؤولية تقع على من حاز شخصياً على إجازة التشحيل والتفحيم، وإن كان يحق له تلزيم الأرض بعد الاستفادة من الرخصة».
تتكرّر حوادث التعدّي على المساحات الخضراء، ومن قِبَل الأشخاص أنفسهم في بعض الأحيان، ويعزوها مهنّا إلى «غياب العقوبة الرادعة. فالغرامة المفروضة لا تزال على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، ولم تُحدَّث كي تهزّ المخالفين»، إذ ينصّ قانون الغابات الصادر عام 1949 على عقوبة بالغرامة المالية عن كل شجرة مقطوعة أو مقلوعة بحسب وزن الشجرة، تراوح بين 10 آلاف و500 ألف ليرة إذا زاد محيطها على عشرين سنتيمتراً وبلغ علوّها متراً واحداً فوق الأرض. فيما تبلغ الغرامة 2000 ليرة عن كلّ كيلوغرام من الحطب و25 ألفاً عن كل كيلوغرام من الفحم إذا قلّ محيط الشجرة عن عشرين سنتيمتراً. وتزاد العقوبة إلى عشرين ضعفاً إذا وقع القطع على شجرة أرز أو لزّاب. كما حدّد القانون عقوبة بالسجن من عشرة أيام إلى ستة أشهر. كما يُحكَم في جميع الأحوال، بموجب المادة 148 من القانون عينه، باسترداد المواد الحرجية المأخوذة أو المقطوعة من غابات الدولة ومصادرة المناشير والفؤوس والمقاطع والآلات ووسائل النقل التي استُعملت لارتكاب المخالفة. أما المواد الحرجية المقطوعة أو المأخوذة من غابات البلدية والقرى أو من الغابات المملوكة للأفراد فتُحجز تأميناً لتأدية ما يُحكم به من الغرامات والتعويضات، إضافة إلى «منع الملتزم من الحصول على رخصة استثمار لمدة ثلاث سنوات ومنع العمل في العقار موضوع المخالفة لمدة خمس سنوات».
وتجد الخبيرة القانونية في مجال البيئة جوزيان يزبك أنّ «الغرامة كانت زهيدة قبل الأزمة، وتكاد لا تُذكر اليوم، وإن كان القاضي يملك سلطة استنسابية برفع قيمتها، قياساً بالأرباح التي يجنيها المخالفون لقاء بيع الحطب والفحم، أما السجن فهو عقوبة لا تُطبّق». وما دامت وزارة الزراعة تنبّهت إلى أن القوانين «السائبة» تعلّم الناس سرقة الأشجار، لماذا لا يُصار إلى تعديل القانون وفرض عقوبات قاسية على القطع والتشحيل والتفحيم؟ وحتّى ذلك الوقت، لماذا لا تتوقّف وزارة الزراعة عن منح التراخيص؟