Site icon IMLebanon

هل أدركت المعارضة “قبول” باسيل بفرنجية؟

كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:

ينطوي بيان «قوى المعارضة في مجلس النواب» على مجموعة رسائل أرادت توجيهها في مختلف الاتجاهات، قبل ان تنكّب على كتابة الأجوبة عن السؤالين اللذين وجّههما الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان اليها وإلى الآخرين، وعلى سبيل الحصر، فإنّ المعنيين بهذه الرسائل هم: «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفاؤه، القضاء والجيش والأجهزة الامنية، المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، والأمم المتحدة.

بعض من قرأوا مضمون بيان «قوى المعارضة في مجلس النواب» الذي اصدرته «بعد تشاور ونقاش عميقين»، حسب تعبيرها، يستنتجون الآتي:

اولاً- انّ المعارضة قد تكون أدركت انّ الحوار الجاري بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وقيادة «حزب الله» قد انتهى، او أوشك على الانتهاء، إلى قبول باسيل بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي يدعمه الثنائي الشيعي وحلفاؤه، وهو الامر غير المرغوب لديها، وهي التي لا تزال تعتبر نفسها «متقاطعة» مع «التيار» على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور. ولذلك ارادت توجيه تحذير غير مباشر لباسيل بالقول انّها «توصلت إلى وضع الإطار السياسي للمواجهة الراهنة»، لافتة ايّاه الى «أن أوان الحسم قد حان، وأنّه لم يعد هناك اي مجال لإضاعة الوقت والى ترتيب تسويات ظرفية تعيد انتاج سيطرة «حزب الله» على الرئاسات الثلاث والبلد»، لاعتقادها انّ وصول فرنجية إلى الرئاسة يحقّق هذا الامر للحزب وحلفائه.

ثانياً- حمل بيان قوى المعارضة لمسة خماسية، او على الاقل لمسة بعض اعضاء هذه الخماسية، الذين يدفعون الى خيار آخر لرئاسة الجمهورية غير فرنجية، وربما غير قائد الجيش العماد جوزف عون ايضاً، بدليل الحملة التي شنّها بعض قوى المعارضة عليه بنحو غير مباشر، من خلال انتقاد طريقة تعاطي الجيش مع حادثة الكحالة ووضع يده عليها، ما منعها من التوسع الى ما لا تحمد عقباه.

ثالثاً- ايحاء المعارضة الى أنّ مهمّة الموفد الفرنسي لودريان الآتي الشهر المقبل الى لبنان، هي مهمّة توفيقية، اي انّها خرجت من إطار المبادرة الفرنسية الى اطار المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية. وبالتالي دعوة «التيار» مداورة الى وقف الحوار مع «حزب الله»، وذلك من خلال القول إنّه «اصبح جلياً عدم جدوى اي صيغة تحاور مع «حزب الله»، الذي في رأيها «يعتمد على الامر الواقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين يشاء، والعودة اليها عندما يضمن نتائج الآليات الديموقراطية بوسائله غير الديموقراطية فرضاً وترهيباً وترغيباً والغاءً»، محذّرة من «فرض رئيس للجمهورية يشكّل امتداداً لسلطة «حزب الله»، متوعدة بـ«مواجهة أي مسار يؤدي الى استمرار خطفه الدولة».

رابعاً- لفت نظر «التيار الوطني الحر» الى انّ ما يتفاوض في شأنه مع «حزب الله» هو من صلاحية رئيس الجمهورية وليس من صلاحيته كتيار، لأنّ «شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه»، ورافضة ما سمّته «محاولة تحميل رئيس الجمهورية اي التزامات سياسية مسبقة، هي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب اولاً»، ورافضةً ايضاً «منطق ربط النزاع».

خامساً- توجيه المعارضة رسالة الى المجموعة الخماسية تؤيّد فيها ما قرّرته في شأن لبنان خلال اجتماعها الاخير في الدوحة، والذي ادّى، في اعتقادها، إلى «نسف» المبادرة الفرنسية القائمة على معادلة: سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام (او الرئيس تمام سلام) لرئاسة الحكومة، وحدّد في مطاويه «المواصفات المطلوب توافرها في شخص الرئيس العتيد والمتوافقة ومطالب المعارضة».

سادساً- اتخاذ المعارضة قراراً بـ«مواجهة تصاعدية» ضدّ الفريق الآخر، تلبس لبوس الاصلاحات التي يطالب المجتمع الدولي بتنفيذها منذ بداية الانهيار عام 2019، على ان تكون هذه المواجهة «ديموقراطية سلمية ضمن المسار المؤسساتي وخارجه حيث يجب».

سابعاً- استمرار المعارضة في سياسة مقاطعة الجلسات التشريعية النيابية لاعتقادها انّه لا يحق للمجلس بعقدها لأنّه في وضعه الحالي ( في رأي المعارضة) «هيئة ناخبة»، عليها ان تواظب على الالتئام في جلسات متتالية الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد، وبالتالي التأكيد لـ«التيار الوطني الحر» الذي لن يحضر الجلسة التشريعية اليوم، انّها ستقاطع هذه الجلسة التي يتصدّر جدول اعمالها مشروع قانون إنشاء الصندوق السيادي لعائدات الثروة النفطية والغازية، والذي ينادي به «التيار» منذ سنوات.

ثامناً- توجيه المعارضة رسالة عدم رضى وتشكيك غير مباشر بدور القضاء والجيش وسائر الأجهزة الامنية، وذلك عبر دعوتها هذه الاجهزة الى «تحمّل مسؤولياتها بحزم وحكمة ومراعاة المصلحة الوطنية وحدها لا المصالح الفئوية»، مؤكّدة «انّ دور هذه المؤسسات هو حماية الشعب من الميليشيات المسلّحة وليس العكس»، وذلك تحت طائلة «خضوعها قانوناً للمحاسبة والمساءلة». فهذا الكلام يعكس، في رأي المراقبين، عدم رضى المعارضة عن الطريقة التي يتعاطى الجيش والقضاء والأجهزة مع الأحداث التي تحصل، وكان آخرها حادثة الكحالة.

تاسعاً- إعادة استحضار القرارات الدولية وبينها ما هو خلافي وكان سبباً لكثير من الأزمات الداخلية، وذلك في دعوة غير مباشرة الى تدويل الأزمة الذي لم ينجح يوماً منذ عشرات السنين، وانعكس سلباً على الواقع اللبناني انقساماً بين مختلف المكونات السياسية، خصوصاً منذ صدور القرار 1559 وما تلاه من أحداث كبرى وخطيرة لا يزال لبنان يعيش تداعياتها حتى اليوم.

ويستنتج المطلعون من بيان قوى المعارضة، امرين: إما انّ هذه القوى وصلت الى اقتناع انّ موضوع الاستحقاق الرئاسي أُسقط من يدها، وهي بهذا البيان التصعيدي تحاول تغيير المجرى الذي يسلكه كونه يصبّ بقوة في مصلحة ترشيح فرنجية. واما انّها ذاهبة فعلاً الى مواجهة سياسية كبرى مع الفريق الآخر، ما يعني أن لا أفق قريباً لإنجاز الاستحقاق الدستوري، مستقرئة مما يدور في المنطقة انّ ثمة تعثراً في التسويات الإقليمية التي كان الاتفاق السعودي ـ الايراني قد هيأ الأرضيات المناسبة لها، ولكن قد يكون طرأ ما يمكن ان يؤخّرها الى مرحلة لاحقة.

لكن ما يدحض هذا الاحتمال الاخير، هو انّ في اوساط المجموعة الخماسية من يتوقّع انتخاب رئيس في المدى القريب على وقع تطورات مهمّة ستدفع اليه، من دون ان تفصح هذه الاوساط طبيعة هذه التطورات، ولكنها في الوقت نفسه تؤكّد انّ تلويح الخماسية بنفض اليد من الملف اللبناني جدّي جداً، خصوصاً اذا لم يتمّ الاتفاق خلال جولة لودريان المقبلة على انتخاب رئيس سواء بالتوافق او بالتنافس.