كتب ثائر عبّاس في “الشرق الأوسط”:
كان واضحا لكل من شارك في الاجتماع الأخير للدول الخمس المهتمة بالشأن اللبناني الذي عقد في العاصمة القطرية أخيرا أن ثمة خيطا رفيعا يفصل المجتمع الدولي عن التخلي عن مساعيه لمساعدة القيادات اللبنانية في حل أزماتهم السياسية والمالية والاقتصادية «ما لم يساعدوا أنفسهم أولا»، وأن ثمة مؤشرات على قرب انتهاء الصبر على «تقاعس اللبنانيين» وعدم قدرتهم على التوافق على مسار للخروج من الأزمة.
وقد خرق الموفد الفرنسي جان إيف لودريان العطلة الصيفية للمساعي السياسية بكتابة سؤالين طرحهما شفهيا على القيادات السياسية التي التقاها في تموز الماضي، مطالبا بأجوبة حولهما قبل عودته إلى لبنان منتصف الشهر المقبل، حيث من المقرر أن يعقد لقاء جامعا مع الكتل السياسية المتمثلة في مجلس النواب سيكون «أقل من حوار… وأقل من مبادرة».
وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن رسالة لودريان تهدف إلى محاولة الخروج من «الحلقة المفرغة» التي تدور في فلكها التحركات السياسية منذ شغور سدة الرئاسة في الأول من تشرين الثاني الماضي. وتحدثت المصادر عن أن مسعى لودريان سيكون «من آخر محاولات المجتمع الدولي لمساعدة لبنان» محذرة من أن صبر المجتمع الدولي ينفد، وإذا كان السياسيون اللبنانيون لا يريدون مساعدة أنفسهم، فلماذا يتكبد الأصدقاء عناء السعي لحل مشاكل بلادهم، بينما هم يبدون استخفافا بها.
وفي محاولة قد تكون الفرصة الأخيرة، يسعى لودريان لتحريك الجمود السياسي القائم، مستندا إلى دعم الرئيس الفرنسي الكبير لتحركه، ودعم الدول الخمس المهتمة بالشأن اللبناني (المملكة العربية السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة) ولخبرته السياسية الكبيرة في مجال حل النزاعات والتي يأمل أن يستفيد لبنان منها، قبل تخلي الأصدقاء عن فكرة المساعدة.
وكان الموفد الفرنسي طرح على الذين التقاهم في يوليو الماضي نفس السؤالين المتعلقين برأيهم بالمشاريع التي يجب أن تنفذ من قبل الرئيس العتيد، والمواصفات التي يجب أن يتحلى بها. وأوضحت المصادر أن لودريان سيجمع الإجابات التي سيحصل عليها في خطة عمل سوف يطرحها على القيادات اللبنانية في اجتماع موسع ستستضيفه فرنسا في بيروت، على أن تسبقه لقاءات ثنائية سيقوم بها الموفد الفرنسي، موضحة أن لودريان سوف يقوم بجولات مكوكية إلى لبنان خلال تلك الفترة من أجل «القيام بكل ما يلزم لإعطاء الفرصة للحل».
وأشارت المصادر إلى أن اللقاء الجامع الذي سوف يلي اللقاءات الثنائية سوف يشهد عرض خطة العمل التي سيستخلصها الموفد الفرنسي من إجابات القيادات اللبنانية ومن لقاءاته معها، موضحة أن الأمر لن يكون على شكل حوار، لكن قد تتخلله نقاشات وكلمات تبلور خطة العمل المقترحة، معتبرة أن الأمر «سيكون أقرب إلى ورشة العمل منه إلى الحوار».
ويراهن الموفد الفرنسي على نجاحه في تقريب وجهات النظر حول خطة العمل، لإعلان انتهاء دوره وبدء دور البرلمان اللبناني الذي يفترض أن يعقد اجتماعات مفتوحة لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
ودعا لودريان في رسالة وجهها إلى الكتل البرلمانية إلى «لقاء يرمي إلى بلورة توافق بشأن التحديات التي يجب على رئيس الجمهورية المقبل مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالتالي، المواصفات الضرورية من أجل تحقيقها» مبررا ذلك بـ«الضرورة الملحة للخروج من الطريق المسدود على الصعيد السياسي، الذي يعرض مستقبل بلدكم لمخاطر جمة». وتابع: «يهدف هذا اللقاء الذي يتمحور حصرا حول هذه المسائل إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك وضمن ظروف مواتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً». وأضاف: «بهدف التحضير لهذا اللقاء أوجه إليكم هذه الرسالة طالبا منكم بشكل رسمي إجاباتكم الخطية والموجزة قدر المستطاع على السؤالين التاليين: ما هي، بالنسبة إلى فريقكم السياسي، المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟ وما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟».
وفي المقابل، أعلنت قوى المعارضة في مجلس النواب عن «وضع الإطار السياسي للمواجهة في المرحلة الراهنة»، وقال 31 نائبا يمثلون كتل «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» وبعض المستقلين في بيان إنه «آن أوان الحسم ولم يعد هناك أي مجال لإضاعة الوقت، أو إلى ترتيب تسويات ظرفية تعيد إنتاج سيطرة حزب الله على الرئاسات الثلاث والبلد، بل بات لزاماً على قوى المعارضة التحري الجاد عن سبلِ تحقيق سيادة الدستور والقانون وصون الحريات على كل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد الدولة بقواها العسكرية الشرعية، وعن طرق الوصول إلى سياسة خارجية تعتمد الحياد لحماية لبنان، وإيجاد سبل لإنقاذ القضاء والإدارة والاقتصاد والوضع المالي».
وأعلن النواب «الترحيب بالمساعي التوفيقية التي يقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وتقدير أي مسعى يأتي من أصدقاء لبنان»، لكنهم رأوا في المقابل أنه «أصبح جليا، عدم جدوى أي صيغةِ تحاورٍ مع حزب الله وحلفائه. فاعتماده على الأمر الواقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين يشاء، والعودة إليها عندما يضمن نتائج الآليات الديمقراطية بوسائله غير الديمقراطية فرضا وترهيبا وترغيبا وإلغاء، كي يستخدمها لحساب مشروع هيمنته على لبنان، يدفعنا إلى التحذير من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتدادا لسلطة حزب الله، محتفظين بحقنا وواجبنا في مواجهة أي مسار يؤدي إلى استمرار خطفه الدولة».
وأكد النواب أن «شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنَين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية، ما يفسح في المجال لتنفيذ كافة مندرجات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف لا سيما بند اللامركزية الموسعة بوجهيها الإداري والمالي، وتطبيق الدستور وقرارات الشرعية الدولية وسلة الإصلاحات الإدارية والقضائية والاقتصادية، والمالية والاجتماعية. أما محاولة تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات سياسية مسبقة فهي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب أولا».
وأكد النواب على مضمون بيان الدوحة الصادر عن مجموعة الدول الخمس في تحديد المواصفات المطلوب توفرها في شخص الرئيس العتيد والمتوافقة ومطالب المعارضة، ودعوا «جميع قوى المعارضة داخل البرلمان وخارجه إلى الاتفاق على خريطة طريق للمواجهة، وعلى أجندة مشتركة للإصلاحات خاصة لناحية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاحات يحفظ أموال المودعين المشروعة، وإقرار الإصلاحات التشريعية الأساسية خاصة اللامركزية، وهيكلة القطاع العام، واستقلالية القضاء، والشراكة ما بين القطاع العام والخاص»…