كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
أطلّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، في ذكرى «الانتصار» في حرب تموز، ليحمّل وسائل إعلامية وجهات سياسية مسؤولية حادثة الكحالة إثر انقلاب شاحنة تابعة لـ»الحزب»، فيما عملياً لو لم يكن هناك من سلاح ومن شاحنة تنقل السلاح ومن قلوب «محقونة» من ممارسات «حزب الله»، لما حصلت «واقعة الكحالة».
معارضو «الحزب» وجهات سيادية قرأت تهديداً في كلام نصرالله بحربٍ أهلية، وتحليل دماء المعارضين إذا لم يمتنعوا عن مواجهة سلاح «حزب الله» وسياساته وممارساته، إذ قال نصرالله: «لا يوجد شارع واحد تجري تعبئته بل شارعان تتمّ تعبئتهما، عليهم أن ينتبهوا، نحن لدينا قدرة على ضبط شارعنا وإمساك شارعنا واستجابة شارعنا لنا بنسبة كبيرة صحيح، لكن ليس بنسبة مئة في المئة..». وتسأل مصادر معارضة: أي حرب أهلية يتهم نصرالله الآخرين بالدفع إليها، و»الحزب» وحده من يمتلك السلاح والمدعوم مالياً وتسليحاً من دولة إقليمية؟ أي حرب أهلية ومنذ العام 2005، تواجه المعارضة بالكلمة فيما أنّها تتعرّض لاغتيالات وإقصاء وتخوين وتحجيم؟.
كذلك، قرأت أكثر من جهة في خطاب نصرالله، تعبيراً عن «مأزومية» سياسية وداخلية إذ إنّ الناس باتوا ناقمين عليه بمعزل عن أي انتماء، معتبرةً أنّ خطابه «تجييشي» و»تعبوي» فقط، موجّه إلى بيئته المأزومة بسبب الفقر والمأساة. فعلى رغم أنّه قال للبنانيين إنّ الانهيار سيقف عند حدود بيئته، إلّا أنّ بيئته في الواقع، هي الأكثر تضرراً من الانهيار والعصابات والمخدرات وأمراء الأحياء والإشكالات والسطو.
مصادر قريبة من «حزب الله» تعتبر أنّ تفسير بعض الجهات لكلام نصرالله على أنّه تهديدي، «خاطئ ومشبوه»، وتقول: «الحزب» لا يريد حرباً أهلية، وإذا لاحت في الأفق سيعمل لإيقافها. وإذا فكّر أحدهم بافتعال حرب أهلية لن يسمح له بذلك، ومعروف من يقتات على الحرب الأهلية ومن يداه ملطّختان بالدماء في الحرب الأهلية». وبحسب هذه المصادر، غير صحيح أنّ «الحزب» لا يتحمّل المعارضة والانتقاد، فهو يتعرّض لحملات انتقادية مستمرّة عبر الفضائيات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي ومن على المنابر السياسية، ويؤثر عدم الرد أو يردّ أحياناً ويكتفي بذلك. وتقول: «الحزب لا يقمع المعارضين، بل إنّه ضدّ «التحريض».
تفسير مفهوم «التحريض» يختلف بين «الحزب» والمعارضة، فما يعتبر «الحزب» أنّه «تحريض»، يعتبر المعارضون أنّه مواجهة بالكلمة الحرّة لـ»حزب» يسيطر على الدولة ويخطف البلد بالسلاح. وتقول مصادر معارضة: «بدلاً من أن يحذّر نصرالله الآخرين من حرب أهلية، الأولى به أن يحذّر نفسه، فإذا كانت الحرب لا تزال واردة ومحتملة وأسبابها قائمة، فلأنّ «حزب الله» يرفض الامتثال للدستور والقانون والدولة وأن يكون على غرار القوى السياسية الآخرى ملتزماً سقف مشروع الدولة في لبنان».
وإذ تعتبر أنّ الخلاصة التي وصل إليها نصرالله في خطابه الأخير، لجهة أنّ الجميع يخرج خاسراً من الحرب الأهلية حتى القوي، صحيحة، تؤكد أنّ أحداً لم يعد «يخاف» من «الحزب» ومواقفه «العنترية»، فأحد لا يتصوّر أنّه يمكنه أن ينتصر من خلال حرب أهلية بين الطوائف، إلّا أنّ نصرالله «يجيّش» شارعه ضدّ المعارضة بهذا الكلام فيما أنّه من يبقي على جذور وفتيل أي حرب.
«تهديد» نصرالله وتجييشه ضدّ المعارضة، «لا يخيفاننا»، بحسب مصادر معارضة. وتقول: «إذا عمد «الحزب» المأزوم سياسياً إلى العودة إلى اغتيالات وممارسات فترة ما بعد عام 2005، لن نواجهه بمنطقه الإجرامي، وبالتالي هذا يُسقط اتهامه الآخرين بالدفع إلى حربٍ أهلية، فالمعارضة لن تنجرّ إلى شهيد مقابل كلّ شهيد واغتيال مقابل كلّ اغتيال وطلقة رصاص مقابل كلّ طلقة رصاص، لكنّها في الوقت عينه ستردع «الحزب» بالسياسة».
الخطأ الذي حصل ما بعد الـ2005 لم يكن نتيجة ممارسة الاغتيالات بل نتيجة التنازل في السياسة، بحسب جهات معارضة مسيحية، فكان يمكن أن يفتعل «الحزب» اجتياح 7 أيار وأن لا ترضخ وتتنازل القوى السياسية التي كانت ممسكة بزمام الأمور آنذاك. وبالتالي، الأساس الآن، بحسب هذه الجهات، أن تبقى إرادة عدم التنازل قائمة حتى لو جرى استخدام السلاح في الداخل. فأي طائفة لا يمكنها أن تحتلّ طائفة أخرى في البلد، ولا يمكن لـ»حزب الله» أن يسيطر ويبقى في طرابلس والأشرفية والمختارة وعين الرمانة وبشري، على سبيل المثال، فحدوده هي حدود مناطقه. لذلك إنّ المواجهة الأساسية لـ»حزب الله» تبقى سياسية، وفي عدم الرضوخ لمشيئته وإرادته مهما صعّد في خطابه أو قام بأي عمل عسكري.
إنطلاقاً من ذلك، وبعد حادثة الكحالة وغيرها من الأحداث التي يُتهم «حزب الله» بتنفيذها، وربطاً بالمواجهة الراهنة على الخط الرئاسي، لا تزال المعارضة على موقفها رئاسياً، ولن تتبدّل مقاربتها للحوار ولن ترضخ لأي تسوية وفق ما يريدها «الحزب». وإذ يبدو أنّ جميع القوى تتجه إلى التهدئة في انتظار أيلول و»رجعة» الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، يُختصر موقف المعارضة من الحوار رئاسياً، بالآتي:
أولاً: ضدّ أي حوار جامع بالمطلق.
ثانياً: مع الحوارات الثنائية.
ثالثاً: لجهة تطابق مضمون الحوار مع مضمون بيان جدّة بالمواصفات والمهمات.