كتب وسام أبوحرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:
كلما أشاح لبنان بنظره عن الأزمة المالية العاتية التي تضربه والذي يزيد المأزقُ الرئاسي – السياسي من عَصْفِها، يعود شبحُها ليدْهمه في غفلةٍ من «الاندهاشِ» بمَظاهر الصيف «ذائع الصيت» بنهاراته ولياليه التي يملأها قوس فرح وحياة.
وبعد «انكفاءٍ» مرحليّ، استعاد الانهيار المالي توَهُّجه على حسابِ عناوين سياسية لاهبة، وربما في إطار «ربْطٍ» معها، وليس أقلها الانتخابات الرئاسية والشغور في الكرسي الأول المستمرّ منذ نحو 10 أشهر، وصولاً إلى الاستحقاق الدوري الذي يشكله التمديد لقوة «اليونيفيل» نهاية آب الحالي، والذي تحوّل هذه السنة أشبه بـ «حقلِ ألغامٍ» مدجّج بفتائل الحرب الباردة بين إسرائيل و«حزب الله» وبعض خطوطها الساخنة، وما بين هذين الملفين من قضايا حساسة ارتسمت في الأسبوعين الماضيين، مع توغُّل الواقع الأمني في منزلقاتٍ على أكثر من جبهة، من أحداث عين الحلوة إلى مواجهات الكحالة الدموية على خلفية شاحنة الذخائر لـ «حزب الله» وليس انتهاءً باغتيال المسؤول في «القوات اللبنانية» الياس الحصروني في عين ابل (الجنوب).
وحتى بريق الأمل الذي لاحَ من أعماقِ البحر مع وصول منصة الحفر التي ستتولى التنقيب عن النفط والغاز في حقل قانا الجنوبي (البلوك 9)، حجبتْه الظلمة التي أطلّت برأسها مع «إبريق زيت» تمويل مستحقات الكهرباء وتحديداً الشركة المشغلة لمعملي دير عمار والزهراني التي أطفأتهما لنحو 24 ساعة قبل أن «تستيقظ» السلطات على حلّ ترقيعي على قاعدة سداد 7 ملايين دولار لها (من أموال حقوق السحب الخاصة للبنان من صندوق النقد الدولي والتي بقي منها 125 مليون دولار من نحو 1.1 مليار) من أصل 84 مليوناً تُدفع تباعاً، ما أعطى إشارة لوقف «دومينو» العتمة التي أوشكت أن تُطْبق على مطار رفيق الحريري الدولي، الذي كان نهار أمس في «حال طوارئ» ويعمل على «الصمود» على المولدات الخاصة، وتُعَطِّل مرافق حيوية أخرى وضخ المياه إلى المنازل.
تطيير نصاب الجلسة التشريعية
ولم يمرّ تطيير نصاب الجلسة التشريعية، التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري، أمس، وعلى جدول أعمالها بنود عدة، أبرزها الصندوق السيادي لإدارة عائدات النفط و«الكابيتال كونترول»، حيث لم يحضر إلا 53 نائباً (النصاب المطلوب 65) بعد انضمام «التيار الوطني الحر» إلى غالبية قوى المعارضة في مقاطعتها، من دون رفْع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الصوت معلناً «اللهم أشهد اني بلغت»، في معرض تحذيره من أن البلاد تتجه إلى «سلسلة أزمات، وسيكون الوضع أكثر صعوبة. وإذا لم نصل الى حل فليتحمل كل واحد مسؤوليته».
وجاء كلام ميقاتي في معرض استغرابه الشديد – في غمز من قناة «التيار الحر» – «عندما يقول البعض إنه يحضر الى مجلس النواب من أجل تشريع الضرورة فقط، فهل يوجد أكثر الحاحاً وضرورة من المشاريع المطروحة على جدول أعمال الجلسة».
وأضاف «في البلدان التي مرت بأزمات اقتصادية مشابهة للتي نمر بها اليوم، كان مجلس النواب بحال انعقاد دائم، وخلال ثلاثة أيام كان يجري إقرار القوانين لحل الأزمة، وبدأت الحلول تثمر وحُلّت الأزمات في تلك الدول. أما في لبنان فلا نزال منذ أربع سنوات نتحدث عن الكابيتال كونترول ولم نتوصل الى مناقشته، لا في الجلسة العامة، ولا الى ايجاد حل له».
وتابع «في مجلس النواب العديد من اقتراحات القوانين تتعلّق بخطة التعافي وإعادة هيكلة المصارف، والفجوة المالية، وكلها تحتاج الى حل فوري، واذا لم ينعقد مجلس النواب لإقرارها ضمن سلة واحدة، فلا استقرار اقتصادياً. لقد وصلنا الى مرحلة صعبة جداً، وبات اقتصادنا يتحول الى اقتصاد نقدي، ما سيعرض لبنان للكثير من المخاطر في حال عدم إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف. ومن الضروري إعادة الحياة المصرفية بطريقة طبيعية كي نتمكن من الخروج من هذه الأزمة، وإلا فإننا سندخل في سلسلة أزمات».
وفيما أتى تحذير ميقاتي على وقع كشف مصرف لبنان بعد 17 يوماً من تولي وسيم منصوري مهمات الحاكم بالإنابة، أن لدى «المركزي» سيولة خارجية لا تتجاوز 8.573 مليار دولار، تُضاف إليها القيمة السوقية لمحفظة «سندات اليوروبوندز البالغة 387 مليون دولار (وذلك لا يتضمن قيمة الموجودات من الذهب) «ويقابل ذلك التزامات خارجية على مصرف لبنان بقيمة 1.270 مليار دولار يقتضي تسديدها عند الاستحقاق من السيولة الخارجية»، فإنّ خفايا تطيير الجلسة التشريعية والتي كان لـ «التيار الحر» الدور الأبرز فيها، إذ شكلت مقاطعة كتلته «الضربة القاضية» للجلسة، انطوت على أبعاد تتجاوز اعتبار أن جدول أعمالها لا يضم بنوداً ينطبق عليها طابع الإلحاح بما يكفي لتبرير انعقادها في كنف الشغور الرئاسي.
وثمة مَن تعاطى مع خطوة رئيس «التيار الحر» جبران باسيل، على أنها رسالة «بلا تشفير» لبري ومن خلفه «حزب الله»، في غمرة الحوار المتواصل بين التيار والحزب حول الانتخابات الرئاسية، وسط انطباعٍ بأن باسيل يريد «شدّ الحبل» على تخوم مؤشراتٍ إلى أن الشروط التي وضعها للسير بمرشح «الممانعة» سليمان فرنجية، وهي إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني و»مشروع بناء الدولة»، تواجه صعوبات في إمرارها ولا سيما لدى بري (خصوصاً اللامركزية الموسعة)، وهو ما لمح إليه السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، حين ربط الحوار الجدي الحاصل بالحاجة إلى توافقات مع أطراف أخرى، مع إشارةٍ أقرب الى «البطاقة الصفراء» بوجه اللامركزية المالية الموسعة، بكلامه عن أن حقول النفط والثروة النفطية هي لكل لبنان وليس لمنطقة دون أخرى.
وكان لافتاً في سياق متصل، استعادة باسيل تموْضعه الواضح على خط التقاطع مع غالبية قوى المعارضة رئاسياً على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، نافياً أن يكون عقد أي لقاء مع فرنجية أو وافق على السير به، واصفاً كل هذه الأجواء بأنها «غير صحيحة اطلاقاً وتجافي الحقيقة والوقائع».
وأكد أنه «لا يزال مؤيداً وملتزماً بالكامل للتفاهم القائم مع القوى المعارضة وللتقاطع على ترشيح وتأييد أزعور، ويطالب بعقد جلسات نيابية متتالية للاختيار بين المرشحين المطروحين أو بالتوافق على اسم تلتقي حوله وحول برنامج عهده معظم الكتل النيابية، وغير ذلك، هو مضيعة للوقت والجهد وتمديد للأزمة مع مزيد من الانهيار، بما فيه أي حوار مفتوح دون برنامج وزمن محدود ومربوط بالتزام بعقد جلسات انتخاب مفتوحة».
أضاف «أمّا الحوار مع حزب الله فهو يتضمّن مطالب واضحة عبّر عنها رئيس التيار بالاعلام، وهي تتعلّق باللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني ومشروع بناء الدولة ولم يصل الحوار بعد الى مرحلة التداول بالأسماء».
وساطة لودريان
وجاء هذا الاحتدام السياسي في غمرة عدم اتضاح مصير الجولة الجديدة من الوساطة التي سيقوم بها الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان في ما خص الأزمة الرئاسية بعد أقل من شهر، وذلك في ضوء «الدعسة الناقصة» التي ارتكبها الديبلوماسي المخضرم عبر «رسالة السؤالين» للكتل البرلمانية ممثَّلة برؤسائها والنواب المستقلين عبر الأمانة العامة لمجلس النواب (حول مواصفات الرئيس وأولوليات مهمته) والتي اعتُبرت من القسم الأكبر من المعارضة بمثابة «خروج عن القواعد الديبلوماسية وأصول التعاطي بين الدول وتتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية»، ناهيك عن رفض تلبية أي دعوة لحوار متعدد الطرف والاكتفاء بتداوُل ثنائي (مع لودريان) حين يزور بيروت، وسط إصرار على صدور موقف موحّد يحدد مواصفات الرئيس، وفق ما عبّرت عنه مجموعة الخمس حول لبنان في الدوحة، بحضور ممثلين لكل من الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر.
وكان تكتل لبنان القوي (يترأسه باسيل) أعلن مساء الأربعاء، أنه بحث الرسالة الفرنسية الموجّهة الى رئيس التكتل وكيفية الردّ عليها «بما يوكّد ايجابية التيار للوصول الى حلول توافقية حول رئاسة الجمهورية بشروط موضوعيّة محدّدة تتعلّق ببرنامج الحوار وزمنه المحدود وارتباطه بجلسات انتخاب متتالية، وذلك من دون هدر الوقت واستعماله لتغيّر الظروف ومحاولة فرض رئيس من فريق على فريق آخر».