كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
“رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيلجأ إلى الاعتكاف في حال استمرار البعض في إعاقة مهمات حكومته…” معلومة تسرّبت من أروقة السراي إلى العلن، مهدِّدة بقلب الطاولة على “المعطِّلين” وفق ميقاتي… وما أكثرهم! بدءاً من نواب الكتل النيابية المعارِضة مروراً بالوزراء المنضَوين تحت لواء أحزابهم المناهِضة للجلسات “غير الدستورية” في ظل غياب رئيس للجمهورية… وصولاً إلى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي أكد المؤكّد في بيان الأمس أن “مصرف لبنان ملتزِم عدم المَسّ بالتوظيفات الإلزامية وعدم الصرف من رصيد الاحتياطات…”.
هذا الجوّ التعطيلي معطوف على المطالبة شبه اليومية، محلياً ودولياً، من الحكومة الميقاتية بضرورة الإسراع في المباشرة بالإصلاحات المطلوبة، وإلا لا نهوضَ اقتصادياً أو مالياً بل استكمال للمسار الانحداري حتى أعمق القعر.
يبدو أن ميقاتي وجد نفسه عاجزاً عن تحقيق الحدّ الأدنى المطلوب لاستقرار الوضع المتفاقم على كل الجبهات، ولا سيما ملف الكهرباء الذي عاد وطفا إلى الواجهة مع الخضّة التي أحدثتها أمس شركة Prime South المشغّلة لمَعمَلي دير عمار والزهراني.
لكن ماذا لو اعتكف ميقاتي فعلاً وقال في قرارة نفسه “روحوا بلطوا البحر”؟!
الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور محمود جباعي ينبّه عبر “المركزية” إلى أنه في حال اعتكف الرئيس ميقاتي “سنذهب إلى أزمة كبيرة جداً… إذ يبقى وجود الحكومة أفضل من عدمه”.
ويشير إلى أن “المسؤولية كبيرة على عاتق الرئيس ميقاتي وهو لا يُحسَد على ما هو عليه اليوم، في ظل أزمة القطاع العام التي بلغت عامها الـ30 وبالتالي ليست وليدة اليوم. طوال هذه الأعوام تقلّصت مقدرات الدولة في ظل سياسات خاطئة تتحمّل مسؤولياتها الحكومات المتعاقبة”.
ويعتبر في السياق، أن “لا مصرف لبنان اليوم في موقع يُحسَد عليه، ولا الحكومة على الإطلاق!”، ويقول: إن منصوري منطقي في فصل السياسة المالية والاقتصادية للدولة عن السياسة النقدية لمصرف لبنان. فالإجراءات التي كان يتخذها الحاكم السابق رياض سلامة كانت الوحيدة القادرة على انتشال الدولة في الفترة الأخيرة تحديداً، عبر تأمين الدولارات من السوق لتمويل الدولة التي كانت تحتاج شهرياً إلى 85 مليون دولار رواتب للقطاع العام، 35 مليون دولار لزوم دعم استيراد الأدوية والمستلزمات الطبيّة، 15 مليون دولار للقمح والطحين، وتشغيل الإدارات العامة بما بين 30 و40 مليون دولار، بالإضافة إلى تمويل الكهرباء بقيمة 120 مليون دولار. مجموع كل ذلك 320 مليون دولار تقريباً في الشهر الواحد، فيما تستطيع الدولة تأمين 20 مليون دولار فقط منه.
ويُضيف هنا أن “منصوري قرّر في ضوء تلك الأرقام، عدم تحمّل تبعات كل ذلك وإلا سيجد نفسه مضطراً إلى تحمّل مزيد من الخسائر في الاحتياطي الإلزامي كما حصل في الفترة السابقة حيث كان يتحمّل البنك المركزي بين 7 و8% يومياً عبر تأمين الأموال لمنصّة “صيرفة” ورواتب ومعاشات القطاع العام …إلخ”.
وإذ يعتبر أن “موقف منصوري منطقي وعلمي”، يرى جباعي في المقابل أن “الرئيس ميقاتي للأسف، لا يملك صلاحيات التشريع والإصلاحات التي هي من مهام مجلس النواب الذي يضمّ القوى السياسية كافة، ويبدو واضحاً أن هذه الأخيرة لا تريد تحمّل أي مسؤولية لأنها اعتادت على أن يؤمّن لها رياض سلامة ما تريد من الأموال، إذ كانت تهاجمه في وسائل الإعلام وتشغّل في المقابل إداراتها ووزاراتها من خلال الأموال التي يؤمّنها لها مصرف لبنان”.
ويتابع “عندما أعلن منصوري أنه لا يريد الاستمرار في هذا النهج، وجد ميقاتي نفسه وحيداً وبدأ يلوّح بالاعتكاف”.
نحن أمام مشكلة كبيرة!
…”إذا اعتكف الرئيس ميقاتي سنذهب إلى أزمة كبيرة جداً” يقول جباعي، “فمَن لا يتلمّس أهمية ما تقوم به الحكومة، يكون ظالماً حقاً! فهي على رغم كونها حكومة تصريف أعمال فهي قادرة على “حلحلة” الأمور وليس حلّها طبعاً”.
من هنا “إن وجود الحكومة هو أفضل من عدمه. إذا اعتكف الرئيس ميقاتي سنجد أنفسنا أمام مشكلة كبيرة لا نعود فيها قادرين على إيجاد حل لأي معضلة على الإطلاق، إن لجهة وضع الدولة أم لجهة سياستها الاقتصادية والمالية…” يختم جباعي.