كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:
عَكَس القرار الصادر عن هيئة التبليغ الديني في المجلي الإسلامي الشيعي الأعلى باعتبار 15 شخصاً غير مؤهّلين لارتداء الزيّ الديني، قبل أن يتمّ التراجع عنه، حالة الإرباك داخل الطائفة، فاعتبر المجلس الأعلى أنّ البيان الصادر عن الهيئة لا يُعبّر عنه ولم يطلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ، نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب.
يُعدّ هذا الإجراء، الأوّل من نوعه لناحية الشّكل، إذ لم يألف الشيعة من قبل أو غيرهم من أبناء الطوائف الأخرى محاولة «صرف جماعيّ» لمشايخهم وعلمائهم بهذه الطريقة.
وقد شكّل التبليغ موجة غضب عارمة في الأوساط الشعبية الشيعيّة والوطنية، اجتاحت مواقع التّواصل الاجتماعي، متضامنة مع المشايخ وخصوصاً الشيخ ياسر عودة، نظراً لمواقفه الجريئة المناهضة للسلطة السياسية ولشعبيّته الممتدّة داخل الطوائف وصولاً إلى العراق، حتّى قيل إن للبنان صوتين صارخين: المطران والشيخ (عودة). وساهم زجّ اسم الأخير ضمن مجموعة الـ15، في ارتفاع منسوب الغليان الشعبي، مع العلم، أن بعض الذين ذكرهم القرار، بحقّهم أحكام جنائيّة قضائيّة.
أثار القرار استغراب المعنيين في الأوساط الشيعيّة، وأوضح مصدر مطّلع «أن الزيّ الديني لا يختصر قيمة ومكانة رجل الدين. إذ يؤمن الشيعة بالاجتهاد وتعدّد المراجع، وهذا يتعارض مع فكرة المأسسة أو الرئاسة الدينية». وأشار إلى أنّ «المُجتَهِد لا يُنَصَّب بل يُعلن ذاته»، يكفي أن يقول إنّه «في مستوى الاجتهاد وأتفضّى لهذا الأمر». هذا ما صرّح به الشيخ عودة: «أنا من المجتهدين ولي رأيي». وشدّد المصدر على «أنه شخص ذو قيمة دينيّة ولا يستطيع أحد التشكيك بعلمه ومكانته. كما قدّم لفترة معينة برنامجاً دينيّاً على إحدى الإذاعات التابعة لمؤسسات العلّامة السيّد محمد حسين فضل الله، وتمّ توقيف برنامجه بضغط سياسيّ حزبيّ، مع العلم أن برنامجه تمحور حول شرح نظريّات وأفكار وآراء فضل الله».
ويتحدّث المصدر عن حالة التخبّط التي بلغها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، قائلاً: «أيام الإمام المغيّب موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الأمير قبلان لم يحصل هذا الأمر. حتّى في ظلّ الصراعات الحادّة، لم تصل المسائل إلى هذا الدرك».
ورأى أنّ «القرار يعكس الحالة التي أصابت الطائفة الشيعية، بمعنى أنّ القدرة الدفاعية الذاتية المجتمعية تراجعت بشكل كبير، وباتت السلطة السياسية هي الضابطة والناظمة والقامعة في آن لكلّ نواحي المجتمع الشيعي. يريدون ضرب الأصوات المستقلّة. سيف مصلت على العقول والرقاب».
والخطير في الأمر، حسب المصدر، أنّ «الصّفة العامّة التي اتّصف بها رجال الدّين الشيعة تاريخيّاً كانت الإستقلاليّة، فالعديد منهم لم يدخلوا المؤسّسة أي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. أمّا اليوم فصدور القرار والتراجع عنه، كشفا هشاشة وتهشيم المجلس الذي تحوّل من مؤسسة مستقلّة إلى أداة تعكس صدى المواقف السياسيّة والحزبيّة».
ولفت إلى أنّ «آخر انتخابات جرت في الهيئة التنفيذية كانت في العام 1975. هذا يُشير إلى وجود رغبة سياسية لا تريد بثّ حيوية معيّنة داخل المجلس بهدف السيطرة عليه. فمن يُعيّن ليس كمن يُنتخب». ورأى أنّ «فكرة التجرّؤ على رجال الدين بهذا الشكل تعود إلى المدرسة الحزبية. وبمجرّد وضع اسم الشيخ عودة ضمن اللائحة، تذهب الأنظار نحو «حزب الله»، خصوصاً أنّ لعودة مواقف جريئة ومناهضة ليس فقط في لبنان، إنّما ضدّ الحكّام الفاسدين في العراق».
وفي التداعيات، كشف المصدر أن «رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي قد اتّصل شخصيّاً بالشيخ علي الخطيب طالباً منه إصدار بيان ينقض قرار هيئة التبليغ». هذه الواقعة تعكس أيضاً خلافاً ضمنيّاً ومستوراً بين «الحزب» و»الحركة» حول السيطرة على المجلس. من المفترض أن قراراً مهمّاً، يتطلّب بالحدّ الأدنى إجماعاً على مستوى الهيئة الشرعية والمدنية داخل المؤسّسة، لكن ما جرى أنه تمّ تسريب القرار، ما أثار حفيظة أعضاء المجلس الرافضين هذا الأسلوب في التعاطي».
أمّا عن التوقيت، فرأى المصدر أنّه «نتاج حالة الفوضى، والمشاكل الأمنية والاجتماعية المتراكمة داخل البيئة الشيعية، وصولاً إلى حادثة الكحّالة وتغذية التعبئة الجماهيرية لناحية استهداف المقاومة، دفعت بالبعض إلى اتّخاذ إجراء كهذا».