كتبت نجوى ابي حيدر في “المركزية”:
لن تكون الاعوام الستة واربعون التي امضاها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الحياة الحزبية والسياسية اللبنانية بما تخللها من عميق خبرات في زواريب سياسة لبنان ودهاليزها، سوى الارث الذي نقله الى نجله تيمور منذ ألبسه كوفية الزعامة الجنبلاطية في آذار 2017، ثمّ تجيير مقعده النيابي اليه في الانتخابات النيابية عام 2018 واستقالته من الحزب الذي ترأسه تيمور في المؤتمر الانتخابي الذي عقد في 25 حزيران الماضي.
صحيح ان وليد جنبلاط افسح المجال لنجله للتمرّس في عالم السياسة وهو الفتيّ بعد، لكنه لم يتنحَ فعليا الا عن المسرح ، ليدير من خلف الكواليس اللعبة السياسية الاشتراكية، في مرحلة هي الاصعب على الاطلاق في تاريخ لبنان بما تتطلب من دقة في التعاطي وحنكة في الممارسة تجنبا للوقوع في افخاخ منصوبة في اكثر من موقع في زمن فراغ رئاسي وشلل برلماني وتعطيل حكومي وانهيار مالي بلغ حده، يوجب ابقاء العين الاشتراكية ساهرة لا سيما حيث تتطلب التوازنات السياسية موقفا يرجّح كفة الميزان في استحقاقات الداخل على كثرتها.
وريث رئاسة “التقدمي الاشتراكي” الجديد ، اكد لحظة تسلمه الشعلة استمرار الحزب بنهجه الحواري مع جميع الجهات السياسية بحثا عن حلول وطنية والبقاء في موقع التسوية بين ابناء الوطن، وأهل أمانة في حمل قضايا المواطنين والتعبير عن طموحاتهم لبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، استكمالا لمسيرة جدّه ووالده، ما يعني عمليا استمرار تموضع الحزب وسطيا من دون التخلي عن تحالفاته التي انتجتها واقعة 14 اذار، بدليل انه قام بأولى الزيارات السياسية بعد انتخابه رئيسا للاشتراكي الى معراب حيث كانت مباركة له وترحيب به وعشاء على شرفه. قد تكون الخطوة هذه تعبيرا عن التمسك بمصالحة الجبل لكنها تعبّر حتما ايضا عن التزام الخط السيادي الذي يتمسك به تيمور بشدة وعلى الارجح اكثر من والده، اذ كانت محطته الثانية في السفارة السعودية كافية ووافية لتحديد توجهه السياسي.
واذا كانت صداقات النائب الاشتراكي الشاب في الوسط السياسي لا سيما مع رؤساء بعض الاحزاب المعارضة تشكل الدليل الى حيث يريد ان يكون سياسيا، فإن التريث يطبع مواقفه وتحركاته في الآونة الاخيرة لعدم الاقدام على اي دعسة ناقصة قد تنعكس سلبا على الجبل وخصوصيته. وينقل نائب في المعارضة لـ”المركزية” معلومات ان النائب جنبلاط ابلغ والده بعد تسلمه مقاليد رئاسة الحزب انه لن يؤيد سليمان فرنجيه للرئاسة ولن يصوت لمن يأتمر بأوامر حزب الله. واذ اكد صعوبة التحالف مع النائب جبران باسيل على رغم سعي الاخير الى ذلك، شدد على ان وحدة الجبل مصانة من بكركي ومن القوات اللبنانية.
وتشير المعلومات اياها الى ان الرئيس نبيه بري لم ينجح في استمالة تيمور وجذبه الى صفه في الملف الرئاسي، وعلى رغم ذلك فإنه لم ييأس، بل يستمر في السعي خصوصا مع ما يعتبره تقدما في حظوظ تأييد باسيل لفرنجيه بفعل مفاوضاته الجارية مع حزب الله، متوقعا انفراجات على جبهة مرشحه ليدعو الى جلسة انتخاب جديدة.
تيمور ليس وليد، ولئن كان مستمرا في حمل المشعل نفسه، يختم النائب المعارض، فالشاب الذي عايش الحقبة الاخيرة من التاريخ اللبناني وتأثر بمجرياته ستكون له مواقف وقرارات لا بد لها تأثيرها في الحياة السياسية اللبنانية مستقبلاً ومن يعش يرَ.