كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
رفضت قوى سياسية مسيحية في لبنان مثول أي من أهالي منطقة الكحالة للاستماع إلى إفاداتهم في حادثة شاحنة ذخائر «حزب الله» التي انقلبت في البلدة في الأسبوع الماضي، بعد انتهاء مخابرات الجيش من التحقيقات التقنية وجمع الأدلة الجنائية، وانطلاقها في مرحلة الاستماع إلى شهود العيان.
ومنذ وقوع الحادثة، تلقت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني استنابة قضائية من النيابة العامة للتحقيق في الحادثة وجمع الأدلة، وبدأت المخابرات فعلاً تحقيقاتها التي طالت الأمور المادية، من بينها جمع الأدلة الجنائية وصور كاميرات المراقبة وعينات الدم لمطابقتها مع الحمض النووي للقتيلين، والرصاص، وغيرها من الأدلة المادية. وبعد انتهائها من هذه المرحلة، انتقلت إلى مرحلة الاستماع إلى الشهود لتكوين رواية كاملة للحادثة.
وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن استدعاءات الأفراد تشمل المعنيين وغير المعنيين بالإشكال بهدف تكوين رواية، مشددة على أنها طلبت استماع لإفادات الشهود، مؤكدة أنه «لا توقيفات اعتباطية، وجل المهمة يتمثل في تكوين الرواية ومخابرة القضاء الذي يتخذ القرار الذي يراه مناسباً».
وقالت المصادر إن طلبات الاستماع أُرسلت قبل يومين وشملت كل الفرقاء، لافتة إلى أن «حزب الله» «تجاوب وأرسل عناصر حماية الشاحنة إلى التحقيق، في حين لا يزال أهالي الكحالة متحفظين عن المثول للاستماع لإفاداتهم».
ورفضت بلدية الكحالة الاستماع إلى إفادات السكان. وأصدرت بياناً بعد اجتماع عقدته رأت فيه أنه «لا يجوز أن يبدأ التحقيق بمساءلة الناس العزل الموجودين آنذاك من أبناء الكحالة، عوض التركيز على المجموعة المسلحة التي فتحت نيران أسلحتها الرشاشة عليهم لترهيبهم، وهذا ما حاول صده الشهيد فادي بجاني الذي سقط برصاص المسلحين المدنيين؛ إذ الأدلة واضحة بالصوت والصورة». وعدت البلدية أن «التحقيق واجب لإحقاق العدالة، إلا أنه يجب أن يبدأ من مكان آخر، فلا يتساوى المعتدي بالمعتدى عليه».
وتقتصر مهمة مخابرات الجيش على التحقيق تنفيذاً للاستنابة القضائية. وشددت المصادر الأمنية على أن المطلوبين للاستماع إليهم «طلبهم القضاء، في حين أن مخابرات الجيش هم ضابطة عدلية في هذه المهمة»؛ بمعنى أنها تضطلع بمساعدة النيابة العامة؛ إذ تكوّن الملف وترسله إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي يتخذ القرار المناسب.
وعادة ما تخبر الضابطة العدلية المكلفة التحقيق في أي ملف، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالتفاصيل، ويقرر القاضي المتابع الخطوات المطلوبة خطوة بخطوة، ويكون مواكباً لأدق التفاصيل ويتابعها بدقة.
ولم تخلُ طلبات الاستماع ورفض بلدية الكحالة مثول أبنائها، من مواكبة سياسية؛ إذ دعمت قوى سياسية مسيحية موقف البلدية. وقال عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غياث يزبك إن «التمادي في ترفيع القتَلة إلى مصاف القديسين، أدى بأهالي الكحالة إلى تطويب من دافعوا عن كراماتهم، وعن حق». وأضاف: «لقد رفضت الكحالة استدعاء عدد من أبنائها إلى التحقيق قبل تسليم قتَلة فادي بجاني إلى العدالة… نعم، سيَكون قديسون ومزارات وفوضى على كل كوع، ما لم ينصَع (حزب الله) للدولة».
من جهته، رأى رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل أن «استدعاء أهالي الكحالة المعتدى عليهم في عقر دارهم مرفوض». وتابع في تغريدة على منصة «إكس»: «حذار الاستمرار بضرب المساواة بين اللبنانيين، وحذار أن ينجر القضاء ليكون شاهد زور». وقال: «نقف إلى جانب أبناء الكحالة ونساند المواقف التي تصدر عنهم ولن نسكت عن الحق».
بدوره، رأى النائب نديم الجميل أن «استدعاء شباب الكحالة إلى التحقيق مرفوض ولن يمر، وهذا ما حذرنا منه وكنا نتوقعه مما تبقى من الدولة المهترئة ونظامها الأمني». وأضاف: «فليستدعوا الميليشياويين الذين تعدوا على الكحالة وأهلها وأطلقوا النار، ووجوههم معروفة واحتفلوا بقتل البطل فادي بجاني، وليستدعوا الجيش الذي تخاذل عن القيام بواجباته يوم الحادثة وما زال حتى اليوم». وختم تغريدته بالقول: «ولّت أيام الكيل بمكيالين. إلى شباب الكحالة أقول: نحن معكم وبتصرفكم».
وفي سياق متصل، قال عضو كتلة «الكتائب» النائب سليم الصايغ: «أتمنى أن يذهب كل أهالي الكحالة إلى التحقيق؛ لأن قضيتهم ليست قضية أفراد، بل هي قضية شعب! سقط (حزب الله) مرتين والدولة مرتين على كوع الكحالة: أسقط الحزب (الشعب) من معادلته الثلاثية، وأظهر تخبطه في إضاعته البوصلة في خطابه السياسي والإعلامي».
وأضاف: «أما الدولة فلم تحمِ أو تطمئن الشعب، كما أنها لم تطبق مبدأ المساواة في السعي لتطبيق القانون وقمع أي مظهر مسلح. هل للسلطة أن تقول لنا كيف أصيب موكب وزير الدفاع؟».