كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
منذ ترؤّس نجيب ميقاتي الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس السابق ميشال عون، في 10 أيلول 2021، وقبل أن تتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال مع انتهاء ولاية عون في 31 تشرين الأول 2022، شهدت الحكومة الثالثة التي يرأسها ميقاتي «خضات» عدة، أدّت إلى تلويحه من خلال مواقف خطابية أو بيانات أو «مصادر»، بالاستقالة من رئاسة الحكومة أو الاعتكاف، مرةً بسبب عدم استقالة وزير الإعلام في هذه الحكومة جورج قرداحي إثر الأزمة مع السعودية بسبب موقف سابق للوزير المُسمّى من تيار «المرده»، ومرةً أخرى بسبب تمنّع وزراء «الثنائي الشيعي» عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء اعتراضاً على عمل قاضي التحقيق في تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار، ومرات عدّة بسبب الخلاف مع عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل… إلّا أنّ ميقاتي لم ينفّذ أياً من تهديداته هذه، فلا استقال قبل انتهاء ولاية عون ولا اعتكف لا خلال عهد عون ولا في مرحلة تصريف الأعمال.
كرّر ميقاتي، أمس الأول، هذا التهديد، ملوحاً بقرار ما قد يتخذه إذا استمرّت عرقلة عمل مجلسي النواب والوزراء، ما فسّره البعض بأنّه قد يلجأ إلى الاعتكاف، فيحمّل مسؤولية الانهيار التام الذي قد ينجم عن ذلك، إلى من يعارضون اجتماع مجلس الوزراء ويقاطعون الجلسات التشريعية فيحولون دون انعقادها، وتحديداً «التيار الوطني الحر». وكان ميقاتي أعلن، أمس الأول، في مداخلة خلال جلسة مجلس الوزراء، «أنّنا لا نستطيع الاستمرار في تحمُّل المسؤولية لوحدنا، وعلى الجميع التعاون لانتخاب رئيس جديد، أو على الأقل التعاون لكي ينعقد مجلس النواب ويقرّ القوانين الاساسية، والّا فسيأتي يوم أبلغكم فيه أنّ هناك قراراً أساسياً وحساساً يتعلّق باستمرارنا في العمل الذي نقوم به، ينبغي اتخاذه».
النائب السابق علي درويش يوضح في حديث لـ»نداء الوطن»، أنّ ميقاتي يلتزم حتى اللحظة، تأدية كلّ مهماته، لكنّه يحذّر جميع الأفرقاء السياسيين. وأراد من هذا التحذير التركيز على نقطة جوهرية يجب أن يفهمها الجميع، وهي أنّه ليس المسؤول الوحيد عن تسيير شؤون البلد إلى حين إنجاز الانتخابات الرئاسية. فضلاً عن أنّ هذه الانتخابات من مسؤولية مجلس النواب والقوى السياسية، وهو ليس مسؤولاً عن الشغور الرئاسي.
إضافةً إلى ذلك، يحذّر ميقاتي، من أنّه في وقتٍ يؤدّي مهماته كرئيس حكومة تصريف أعمال، من غير المقبول أن تكون هناك عرقلة لهذا العمل من قبل أي فريق سياسي، لا بل إنّ الحسّ الوطني يفرض على الجميع مساعدة ميقاتي في عملية تسيير الأعمال إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية. ويشير درويش، على سبيل المثال، إلى أنّ انقطاع الكهرباء عن مطار بيروت أو المشكلات في مرفأ بيروت، لو لم تُعالج، لكان هذان المرفقان الحيويان توقفا، وبالتالي كانت خسرت الدولة ما تبقى من موارد. لذلك، يعبّر ميقاتي، عن أنّه في وقتٍ يتعرّض لضغط كبير لتسيير شؤون الدولة، يغرق الآخرون في المناكفات السياسية متجاهلين عملية استمرار الدولة.
لذلك خرج ميقاتي بتحذيرٍ عالي السقف ليحمّل الجميع مسؤولياتهم لجهة مساعدته بدلاً من محاربته، فالواقع القائم من مسؤولية الجميع وليس شخص أو وزراء، فيما أنّه يلمس أن لا رغبة لدى جميع الأفرقاء في تسيير شؤون البلد بقدر ما هناك نية بتأزيم الوضع نتيجة الخلافات السياسية والحسابات الرئاسية.
ما يريده ميقاتي، عدم محاربة عقد جلسات لمجلس الوزراء، وتوقف التراشق السياسي وتوتير الأجواء، وتشريع القوانين المطلوبة من مجلس النواب، ومنها الـ»كابيتال كونترول» لكي يبدأ المودعون باسترداد أموالهم بـ»الفريش دولار». هذا فضلاً عن تشريع موضوع الإنفاق، «الأمر الذي سنصل إليه عاجلاً أم آجلاً»، فوضع ميقاتي الجميع وليس فريقاً واحداً، أمام السؤال الآتي: هل تريدون أن تتوقف الدولة أو تسيير العجلة بالحد الأدنى؟
ميقاتي سبق أن امتنع عن الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء قبل أن تدخل الحكومة في مدار تصريف الأعمال، نتيجة مقاطعة الوزراء الشيعة لأي جلسة، إلّا أنّه الآن يصرّ على دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد على رغم الاعتراض المسيحي، خصوصاً من «التيار» ومقاطعة وزرائه أي جلسة، بسبب الشغور الرئاسي، وكأن «لا حاجة إلى رئيس». في هذا الإطار، يقول درويش: «لو أنّ توقُّف عجلة الدولة نهائياً يؤدّي إلى انتخاب رئيس، وفق سيناريو الضغط لإنجاز الانتخابات، لكان هذا أمراً جيداً، لكن ليس هذا السيناريو المطروح وجلسات الانتخاب السابقة دليل إلى ذلك. وبالتالي إنّ توقُّف الحكومة عن معالجة المشكلات وتسيير شؤون الدولة لن تنتج رئيساً وفي الوقت نفسه ستؤدّي إلى فوضى وصدام قد يُترجم في الشارع، وهذا ما يحاذره الرئيس ميقاتي».
حتى اللحظة، وعلى رغم «القرار» الذي لوّح به، من غير الوارد لدى ميقاتي الاعتكاف، بحسب درويش، طالما أنّه قادر على أن يبذل أقصى جهده لكي يسيّر شؤون البلد، معتبراً أنّ الاستقرار في سعر الصرف بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، يشير إلى قدرة حكومة تصريف الأعمال برئاسة ميقاتي على التخفيف من وطأة الأزمة في هذه المرحلة إلى حين العبور إلى الاستقرار والحلّ في لبنان بدءاً من انتخاب رئيس. أمّا إذا وصل ميقاتي إلى مرحلة لم يعد قادراً على العمل، جرّاء المناكفات السياسية، فعندها سيُصبح موضوع الاعتكاف مطروحاً لديه.