كتب طوني جبران في “المركزية”:
تداركا للأخطاء التي ارتكبت العام الماضي، عندما تجاهلت الدبلوماسية اللبنانية او غافلتها التعديلات التي طرأت على قواعد السلوك الخاصة بعمل القوات الدولية المعززة “اليونيفيل” بموجب القرار الذي اعطاها حق القيام بدوريات من دون أن يواكبها الجيش اللبناني، باشرت وزارة الخارجية حملتها الدبلوماسية لهذا العام بشكل استباقي ومبكر سعيا الى تعديل هذه الفقرة واعادة تصويب الأمر بما يؤدي الى وقف الاعتراضات الخارجية والداخلية ومنها تلك التي أطلقها حزب الله مهددا باعتبارها قوات “احتلال دولية” للأراضي اللبنانية إن نفذت التعديلات التي أقرت العام الماضي.
في قراءتها لهذه المعادلة، كشفت مراجع سياسية ودبلوماسية مطلعة لـ”المركزية” أنه لن يكون سهلا على لبنان تعديل هذه الفقرة في القرار الجديد المرتقب في 31 آب الجاري وهو القرار السادس عشر من نوعه على التوالي منذ أن أقر مجلس الأمن الدولي تعزيز قوات حفظ السلام في جنوب لبنان بموجب القرار 1701 الصادر بتاريخ 11 آب 2006 الذي قال بتعزيز قدراتها من “حيث العدد والمعدات والولاية ونطاق العمليات” وأن “يأذن بزيادة حجم قواتها الى حد أقصى قوامه ١٥٠٠٠ جندي”، وأن “تتولى القوة، إضافة إلى تنفيذ ولايتها بموجب القرارين ٤٢٥ و ٤٢٦ (١٩٧٨)، مهاما محددة تتصل بـ “رصد وقف الأعمال القتالية”، “مرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية في أثناء انتشارها في جميع أرجاء الجنوب، بما في ذلك على طول الخط الأزرق، وأثناء سحب إسرائيل لقواتها المسلحة من لبنان”، “تنسيق أنشطتها مع حكومة لبنان وحكومة إسرائيل” و”تقديم مساعدتها لكفالة وصول المساعدة الإنسانية إلى السكان المدنيين والعودة الطوعية والآمنة للمشردين ومساعدة القوات المسلحة اللبنانية على اتخاذ خطوات ترمي إلى إنشاء المنطقة الآمنة و”مساعدة حكومة لبنان، بناء على طلبها”.
وأمام هذه المهام التي كلفت بها القوات الدولية، قالت هذه المصادر ان لبنان يواجه اصرارا دوليا على تطبيق ما قال به القرار في مجالات أخرى تتعدى هذه الملاحظات الإدارية والميدانية التي تحققت على الرغم من بعض الملاحظات التي تشير الى عدم اكتمالها بين منطقة وأخرى بالنظر إلى الملاحظات المتبادلة بين لبنان واسرائيل على ادعاء ملكية كل منهما لأراض في 13 نقطة ما زالت على “لائحة المتنازع عليها” ولم تنفع الاتصالات الجارية منذ حينه الى معالجتها كاملة.
وتأسيسا على ما تقدم، فقد تبلغ لبنان في أكثر من لقاء جمع قائد القوات الدولية مع كبار المسؤولين وعبر القنوات الدبلوماسية التي يواصلها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مع السفراء وممثلي الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وزملائهم غير الدائمين ان على لبنان أن يجتهد في تطبيق ما تبقى من مضمون القرار وما قال به في مجالات مختلفة، ما زالت معلقة على الرغم من مرور سبعة عشر عاما على إصداره والمباشرة بتطبيقه.
ولفتت هذه المصادر الى أن أهم ما تواجهه الدبلوماسية اللبنانية يقف عند عدم قدرة الحكومة حتى اليوم على تطبيق قرارات بالغة الدقة وخصوصا لجهة منع الظهور المسلح لمجموعات مسلحة غير شرعية لبنانية وفلسطينية والتي أطلق بعضها الصواريخ باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة ما يشكل خرقا لما تقرر من “ضرورة وقف العمليات العسكرية” من دون التوصل الى وقف نهائي لإطلاق النار بين الطرفين. وقد كان ذلك واضحا بعدما أذن مجلس الامن في الفقرة الحادية عشرة من هذا القرار لهذه القوة “باتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات في مناطق نشر قواتها وحسب ما تراه في حدود قدراتها لكفالة ألا تستخدم منطقة عملياتها للقيام بأنشطة معادية من أي نوع، ومقاومة محاولات منعها بالقوة من القيام بواجباتها بموجب الولاية الممنوحة من مجلس الأمن، ولحماية موظفي الأمم المتحدة و مرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة أمن وحرية تنقل موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني ولحماية المدنيين المعرضين لتهديد وشيك بالعنف البدني، دون المساس بمسؤولية حكومة لبنان”.
والى هذه الملاحظات السلبية التي تعوق التجاوب المطلق مع مطالب لبنان ينبغي التوقف عند ما قال به القرار لجهة ضبط الحدود البرية والبحرية وقد خصصت للمرة الاولى قوة دولية بحرية لمساعدة لبنان على منع انتقال اي أسلحة او ممنوعات “لا تأذن بها السلطة الشرعية في لبنان” عندما قال القرار في البند رقم 14 ما حرفيته: “يطالب حكومة لبنان بتأمين حدوده وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو ما يتصل بها من عتاد إلى لبنان دون موافقتها ويطلب إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وفق ما أذنت به الفقرة ١١ منه بمساعدة حكومة لبنان لدى طلبها ذلك.
ولا تنسى المراجع الدبلوماسية تذكير لبنان بمضمون البند الخامس عشر من هذا القرار الذي قال بأن “تتخذ جميع الدول ما يلزم من تدابير لمنع القيام، من جانب مواطنيها أو انطلاقا من أراضيها أو باستخدام السفن والطائرات التي ترفع علمها، بيع أو تزويد أي كيان أو فرد في لبنان بأسلحة وما يتصل بها من عتاد من كل الأنواع، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية، وقطع الغيار، سواء أكان منشأوها من أراضيها أو من غيرها” كما “تزويد أي كيان أو فرد في لبنان بأي تدريب أو مساعدة في المجال التقني في ما يتصل بتوفير أو تصنيع أو صيانة أو استخدام المواد الممنوعة، على أن تدابير المنع هذه لا تنطبق على الأسلحة وما يتصل بها من العتاد والتدريب والمساعدة مما تأذن به حكومة لبنان أو قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “.
ومن دون الدخول في الكثير من التفاصيل السلبية الاخرى تكفي الاشارة الى الاحداث الاخيرة التي زادت من صعوبة المهمة على الدبلوماسية اللبنانية لا بل فقد وضعتها في موقع حرج للغاية. ومنها على سبيل المثال لا الحصر جريمة اغتيال احد عناصر القوة الايرلندية الدولية في 24 كانون الأول العام الماضي بعد مطاردته وكان من المطلوبين في بلدة العاقبية الجنوبية وصولا الى بعض الخروقات الامنية نتيجة “صواريخ القليلة” بعد “صواريخ شويا” قبل اشهر قليلة الى أن جاءت حادثة سقوط “شاحنة حزب الله” عند كوع الكحالة ليتبين حجم ما كانت تنقله من اسلحة الى قوة غير شرعية، تتحرك على الساحة اللبنانية وفي منطقة “اليونيفيل” دون رقيب او حسيب لا بل هناك من يدعي شرعية امتلاكها الحرية في نقلها وتحركها في كل لبنان.
على هذه الأسس، لا تخفي المراجع الدبلوماسية المحلية والدولية صعوبة البحث بأي تعديلات لبنانية على مهام وقواعد سلوك “اليونيفيل” في ظل الخروقات الحاصلة. وان اعادة النظر بها يفترض وجود رئيس للجمهورية وحكومة تقوم بتنفيذ تعهدات قطعتها على نفسها منذ عقود من الزمن ولم تنفذ اي منها لا بل فهي متقاعسة في السعي الى تنفيذها إن لم تكن بعض مواقع القوة تشجع عليها وتتبناها في ما هي تطالب العالم بتنفيذ تعهداته تجاه لبنان .
وختاما، لن تمر أيام قليلة قبل أن تنجلي الصورة فوزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب الذي يستعد للسفر بعد يومين الى نيويورك لمواكبة ورشة الاتصالات التقى قبل أيام قليلة السفيرة الاميركية في بيروت دوروتي شيا قبل أن يلتقي كلا من القائم بالاعمال الفرنسي فرنسوا غيوم، سفير الصين جيان مينجيان ونائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا، قد سمع كلاما كثيرا من هذا النوع وهو يحاول الدفاع عن موقف لبنان بكل ما أوتي من قوة لجهة توفير الأجواء التي تضمن “تجديدا سلسا” لـ”اليونيفيل” المرتقب مناقشته في مجلس الامن نهاية الشهر الجاري. وغدا لناظره قريب.