كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
تفاعل قرار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب بوقف التعاقد مع الملحقين الإقتصاديين. داخل مجلس الوزراء أعلن عدد من الوزراء استياءه من القرار. طلب منهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التواصل مع بو حبيب للإتفاق معه حول مصيرهم. ولغاية اليوم لم يتم التواصل ولا الإتفاق. هنا أيضاً لعبت السياسة دورها سواء بإلغاء العقود أو بالإصرار على استمرارها. وزير الخارجية متهم أنّه وبالتوافق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يريد اقتلاعهم لأنّ تعيينهم في الأساس كان بقرار من الوزير السابق جبران باسيل. ومن الضفة المقابلة هو متهم بأنّه ينفذ تعليمات باسيل.
وفي كلا الحالين فقد خضع وقف تمديد العقود لبازار سياسي وكيدية وتصفية حسابات. فمن جهة دفع بعض الملحقين ثمن العلاقة السيئة مع السفير المعتمد، وتعاطى بعض الوزراء بخلفية سياسية مع القرار لمجرد أنّه صادر عن وزير محسوب على باسيل، لتكون النتيجة على حساب قطاع مؤلف من 15 ملحقاً كان يمكن مراجعتهم في عملهم ومحاسبتهم كل حسب انتاجيته.
وزير الخارجية يصر في حديثه إلى «نداء الوطن» على أنّ قرار وقف العقود كان لا بد من اتخاذه ليكون بمثابة جرس انذار مؤكداً أنّ «الإجراء الذي اتخذه محض اداري ميزانه انتاجية هؤلاء مقارنة مع ما يتقاضونه وفي ظل التقشف المفروض على الوزارة».
وإلى جانب الملحقين أنفسهم استنفر كلّ من وزراء الزراعة والصناعة والإقتصاد والسياحة الذين احتجوا على فسخ العقود، علماً أنّ القرار ليس ابن ساعته وكان سبق وطرح جدياً في عهد وزراء سابقين. يقول بو حبيب «قبل تسلمي منصبي في الوزارة كان بدأ البحث بمصيرهم. صودف تعيينهم مع انتشار كورونا فلم تتسنَ لهم ممارسة عملهم بالشكل المطلوب. وكان تقييمهم من قبل السفراء يتراوح بين الجيد والمعدوم». بطبيعة الحال لا ينكر بو حبيب أنّ هذا التقييم خضع في مطارح معينة لعلاقة السفير مع الملحق الإقتصادي في سفارته والتي لم تكن على خير ما يرام «كانت تعتري هذه العلاقة خلافات كثيرة في معظم السفارات فكان السفير يعتبر أنّ الملحق الإقتصادي كما باقي موظفي السفارة خاضع لسلطته بينما يعتبر الملحق الإقتصادي أنّ لا شأن للسفير بالتعاطي المباشر معه».
يقول بو حبيب «لم أقم بما هو جديد. حين تسلمت وجدت أنّ بحثاً أجري في عهد وزارء سابقين ويقضي بإلغاء العقود معهم، وفي التقارير التي ترد إلى الوزارة لم يكن دورهم استثنائياً، وغالبيتهم لم يدخل إلى خزينة الدولة قرشاً واحداً ولم يعزز حركة التبادل التجاري بين بلده والبلد المضيف». يتابع القول «خلال جولاتي لاحظت أنّ عدداً قليلاً من هؤلاء يستحق البقاء في منصبه بالنظر إلى المهام التي يؤديها، وخصوصاً الملحقين الإقتصاديين في واشنطن وبروكسل وتقييمهم دائماً ايجابي، بالمقابل هناك ملحقون نتيجة عملهم معدومة».
ويعيد التأكيد على أنّ الإجراء الذي اتبعه يتوافق مع صلاحياته القانونية «مش فاتح دكان على حسابي، هناك عقود مبرمة مع هؤلاء، للوزير صلاحية البت بها وارتأيت وقف العمل بها توافقاً مع الخطوات الترشيدية لنفقات الوزارة، استشرت رئيس الحكومة ونلت موافقته على الخطوة تماماً كما سبق وحصل مع تشكيلات الفئة الثالثة».
بعد القرار فوجئ بو حبيب باعتراض الوزراء داخل جلسة الحكومة «اتصل بي رئيس الحكومة يبلغني بوجود اعتراضات من وزراء الضناعة والزراعة والسياحة والإقتصاد على تجميد عقود الملحقين الإقتصاديين وأنه طلب منهم الإجتماع معي للتنسيق، ولغاية اليوم لم يبادر أي منهم للتواصل معي بينما سمعت وزير الزراعة عباس الحاج حسن ينتقد الخطوة. سألته كم واحداً من هؤلاء تعرف؟ ولماذا لم تستفسر مني قبل أن تعلن موقفك؟ فكان جوابه برسالة مكتوبة «منحكي بكرا»، ولغاية الساعة لم يتصل لمعرفة حقيقة الموقف».
كرت سبحة الإعتراضات وأدلى مدير عام الإقتصاد بتصريح مماثل وحين فاتح بو حبيب وزير الإقتصاد صلاح سلام تبيّن أنه ليس على علم بما قاله مديره العام وأنّه كان بصدد البحث في امكانية أن يتبع هؤلاء لوزارة الإقتصاد وليس للخارجية. فوافقه بو حبيب. موقف ثالث معترض أعلنه رئيس جمعية الصداقة اللبنانية وجمعية الصناعيين الذي تحدث عن أهمية دورهم الإقتصادي للبلد «ماذا يعلم عن عمل هؤلاء ونتيجته؟» يسأل بو حبيب ليؤكد أنّ كل الإعتراضات على القرار لم تُبن على حقيقة الواقع. وحده وزير الصناعة جورج بوشكيان قصده قبل عام ونصف على رأس وفد من الصناعيين وتبلغ «استحالة استمرار الوضع على حاله لوجود حالة تقشف عند الوزراء»، فاقترح «إنشاء صندوق لتغطية رواتبهم من خلال فرض رسوم على كل معاملة تجارية لكن الفكرة لم تتبلور بعد».
يؤكد وزير الخارجية أنّ الملحقين الناجحين بغالبيتهم تقدموا باستقالاتهم بعدما وجدوا فرص عمل أفضل بينما يتأمل آخرون أن يصار إلى إلحاقهم بملاك الخارجية، «خلال جولتي في الخليج سألت أحد الملحقين الإقتصاديين كيف تقبل البقاء من دون عمل كل تلك الفترة؟ فكان جوابه: انتظر مرسوم ادخالي الملاك». حل غير وارد لدى وزير الخارجية «لعدم توفر الإعتمادات اللازمة لذلك».
القرار الذي اتخذ يمكن التراجع عنه طالما القضية في عهدة الوزير لكن ليس قبل إيجاد صيغة مرضية بالتعاون مع الوزارات المعنية بحيث تتولى تحمل المسؤولية وتغطية نفقاتهم والأمر معقود على إجتماع منتظر بين بوحبيب و الوزراء المعنيين، وهناك اقتراحات يمكن بحثها ولكنها تدور بمجملها حول نقلهم من الخارجية إلى الوزارات المعنية بشؤونهم طالما أنّ نطاق عملهم يشمل أربع وزارات بينما يمكن للخارجية أن تؤمن للملحق الإقتصادي مكتباً في سفارة لبنان في الدول حيث تدعو الحاجة لوجوده، وهذه مسألة يقررها مجلس الوزراء مجتمعاً وليس وزير الخارجية.