كتب منير الربيع في “المدن”:
تتناقض القراءات اللبنانية لتطورات الوضع في لبنان، ربطاً بأحداث المنطقة وتطوراتها. إحدى القراءات لا تزال تراهن على إيجابيات قائمة على الانفتاح السعودي الإيراني، وإمكانية انعكاسها داخلياً، وسط تمسكّ الثنائي الشيعي بالمبادرة الفرنسية وتجديد الترحيب بها، في مقابل سعي قوى المعارضة إلى رص صفوفها ضد المقترح الفرنسي وضد مرشح حزب الله وحركة أمل.
قراءة ثانية تشير إلى عدم الاهتمام الدولي المباشر بلبنان، لأن الأولويات تبدو أكبر وأوسع، ولا أحد جاهزاً للدخول في تفاصيل الملف اللبناني، فيتم تحميل مسؤولية التعطيل للبنانيين الذين لا يتوافقون فيما بينهم.
العودة الأميركية
قراءة ثالثة تشير إلى العودة لسيناريو ترابط الملفات الإقليمية وانعكاسها على الساحة اللبنانية، وهي تدفع أصحابها إلى الرهان على إمكانية إعادة خلط الأوراق وقلب الطاولة.
أصحاب وجهة النظر هذه يسجلون جملة ملاحظات تشهدها المنطقة، كان أبرزها العودة الأميركية العلنية إلى المنطقة، من خلال تعزيز الحضور العسكري في الخليج العربي، وفي محيط مضيقي هرمز وباب المندب، بالإضافة إلى إعادة تحريك قطعات عسكرية أميركية في العراق وصولاً إلى الحدود السورية، بالإضافة إلى تعزيز الأميركيين لجنودهم في شرق سوريا، مع ضخ معلومات كثيرة عن إغلاق الطريق الذي يربط بين البلدين، وتستخدمه طهران كخط إمداد.
يتوقع هؤلاء، بناء على هذه التحركات الأميركية، حصول المزيد من التطورات، في إطار التفاوض الأميركي الإيراني غير المباشر والجزئي على ملفات معينة. فبعضهم يعتبر أنه إطار تصعيدي لزيادة الضغوط ودفع إيران إلى التنازل، فيما البعض الآخر يرى إمكانية حصول تصعيد جدّي.
التظاهرات السورية
في هذا السياق، تسجّل جملة ملاحظات أيضاً، أبرزها التظاهرات التي تشهدها الساحة السورية وتحديداً، في درعا والسويداء، بالإضافة إلى دعوات إلى تظاهرات مماثلة في مناطق الساحل السوري. وهذه التحركات كلها بخلفية معيشية واجتماعية، لكنها تتطور لتطرح شعارات المطالبة بإسقاط النظام أو محاسبته. بعض القوى المحسوبة على النظام السوري وحزب الله تعتبر أن ما يجري هو جزء جديد من الضغوط الأميركية أولاً، في سبيل إفشال مسار التطبيع مع دمشق. وثانياً، لممارسة المزيد من الضغوط على بشار الأسد بعد تعثّر المفاوضات الأميركية معه حول ملف الرهائن الأميركيين. وثالثاً، أن ذلك يمثل ضغطاً جديداً على إيران.
في المقابل، على الضفة الأخرى، تتحدث معلومات عن أن النظام يترقب بخوف مسار هذه التحركات وإمكانية توسعها وانتشارها، وازدياد أعداد المتظاهرين. وتقول بعض المصادر إن النظام سيطلب مجدداً دعماً من إيران ومن حزب الله لمواجهة مثل هذه التظاهرات والتحركات والتصدي لها لإخمادها.
هذا سيؤدي أيضاً إلى تكريس قناعة جديدة تتعلق باعتماد النظام المباشر على الإيرانيين وحزب الله. ما سيكون له انعكاس سلبي على مسار التطبيع العربي مع دمشق.
ما بين التحركات التي تشهدها سوريا، والتحشيد الأميركي على الحدود السورية العراقية، تشير مصادر متابعة إلى إمكانية قيام حزب الله بإرسال مقاتليه مجدداً إلى سوريا. وذلك تحسباً لحصول أي تطورات أكبر في المرحلة المقبلة. وربما يشكل ما جرى الإعلان عنه في حي السلّم عنصراً محفزاً لذلك، في سبيل منع “الانتحاريين” من المجيء إلى لبنان.
ذلك لا يمكن أن يبقى بمنأى في تأثيراته عن الملف اللبناني، سياسياً ورئاسياً، على قاعدة أن أي تقاطعات إقليمية ودولية ستحصل في سوريا، لا بد أن يكون لها انعكاسات وتأثيرات على الساحة اللبنانية.