كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
«بصراحة، أنا استغربت»، هكذا يردّ رئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط على بيان نقابات الأفران والمخابز الذي «حذّر من كارثة في قطاع الأفران والمخابز، لأنّ لبنان لا يملك مخزوناً من القمح والحبوب لأكثر من شهرين ونصف شهر». علماً أنّ وزير الاقتصاد خارج البلاد، والجهة المسؤولة عن تخزين القمح في ظلّ غياب الأهراءات بعد انفجار الرابع من آب، أي المطاحن، لا تعرف شيئاً عن هذه «الكارثة»، من أين خرج هذا البيان التحذيري؟
أولاً، لا يبدو البيان الصادر أول من أمس، منطقياً لجهة التوقيت، فـ«الفوضى الأمنية والعسكرية في البحر الأسود بسبب الحرب الروسية ــ الأوكرانية» التي حذّر منها ليست جديدة، ولم تؤثّر على حركة الاستيراد. كذلك بات واضحاً أنه منذ «اندلاع الحرب الأوكرانية ــ الروسية لم تُقفل المعابر يوماً واحداً بوجه بواخر القمح، بل 90% من القمح الذي نستورده مصدره أوكرانيا، بدليل وصول باخرة قمح من هناك، بشكل طبيعي، فجر اليوم (أمس)، كما سارت أمس مناقصة لاستيراد 4 بواخر قمح جديدة من أوكرانيا»، كما يؤكّد حطيط.
صحيح أنّ القمح في المخازن اللبنانية لا يكفي لأكثر من شهرين ونصف شهر، لكن ذلك لا يرتبط بحركة الاستيراد ووصول البواخر بسلام إلى لبنان، إنّما بالقدرة الاستيعابية للمطاحن الخاصة حيث يُخزّن القمح بعدما فقد لبنان أهراءاته في الرابع من آب. ويشرح حطيط: «لا تتسع هذه المطاحن لأكثر من شهرين ونصف شهر أصلاً، بعدما كان المعدل الوسطي للتخزين يكفي لأربعة أشهر». هذه كانت الحالة الطبيعية لاحتياط لبنان من القمح منذ ثلاث سنوات، و«أحياناً يصل المخزون لشهر واحد فقط، لكننا نستورد من دون أن يلحظ السوق أي نقص». يصبح السؤال: لماذا التهويل؟
نقابات الأفران والمخابز دعت رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس مجلس النواب ووزير الاقتصاد والأحزاب والزعامات السياسية، والهيئات الاقتصادية وكلّ من يعمل في الشأن العام للتحرك سريعاً لاحتواء الكارثة قبل وقوعها. أي إنها استشرفت وقوع أحداث أمنية في البلاد وحروب تلوح في المنطقة من شأنها أن «تهدّد الأمن الغذائي واحتياط قوت الفقير»، بحسب رئيس نقابة الأفران ناصر سرور، الذي يحتاط على الاحتياطي ويرفع عن نفسه المسؤولية، «لأننا أول من سيحاسبه الناس عندما لا يجدون رغيف الخبز». وينتقد سرور، في حديث لـ«الأخبار»، الاعتماد الكلّي على القطاع الخاص لتخزين كميات محدودة من القمح، ويصرّ على ضرورة «إعادة إعمار الأهراءات في بيروت وطرابلس بكلفة تجاوز الـ100 مليون دولار، أو الذهاب إلى طريق أفضل يشمل الأهراءات في صيدا وصور بكلفة 150 مليون دولار». هكذا يدافع سرور عن وزير الاقتصاد الذي شُنّت عليه حملة بسبب تصريحه الأخير حول إعادة إعمار الأهراءات بشخطة قلم من دولة الكويت، لأنّه «يريد أن نأكل العنب لا أن نقاتل الناطور».
برأي حطيط، المشكلة الوحيدة «تكمن في ارتفاع الأسعار بسبب المخاطرة في مرور البواخر جرّاء الحرب الروسية – الأوكرانية، الأمر الذي يزيد أكلاف الشحن، وبالتالي يرفع سعر الطحين. وفعلاً ارتفع سعر الطن الواحد من الطحين بين المناقصة التي جرت في شهر تموز الماضي ومناقصة الأمس 25 دولاراً، بعد القصف الروسي على موانئ تصدير الحبوب في أوكرانيا». وعليه، سيتأثر سعر ربطة الخبز بشكل طفيف عندما تصل باخرة القمح في منتصف الشهر المقبل، و«ليس بقدر ما ستتأثر بأسعار المحروقات، فمادة المازوت تشكل عاملاً مؤثراً في عملية الإنتاج». ويذكر حطيط «أننا نستهلك ألف طن من الطحين بمعدل وسطي للخبز العربي يومياً، فيما استهلاك الطحين في المنتجات الأخرى بالكاد يصل إلى الـ150 طناً في اليوم».