كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
بعد عام حافل بالإضرابات، انتهى على «صفر إنجازات» للأساتذة، وتناقص كبير في أعداد التلامذة في المدارس الرسميّة، ونفض يد الجهات المانحة من دعم التعليم «إلا بشروط»، وعلى مشارف شهر المدارس، شهر أيلول، تقف روابط التعليم الرسمي والأساتذة ومعهم وزارة التربية من دون خطة واضحة. راتب الأستاذ المضاعف 7 مرات، في حال وصوله في موعده، لا تتخطى قيمته 200 دولار، التغطية الصحية بالكاد تصل إلى 15% من قيمة أي فاتورة طبيّة، غالبية المدارس غارقة في العتمة والفوضى من دون موازنات تشغيليّة.
في المقابل، تستعد المدارس الخاصة التي تغرّد بشكل منفرد بعيداً عن القطاع الرسمي لـ«إطلاق عامها الدراسي» في النصف الثاني من الشهر المقبل. الأسئلة كبيرة وكثيرة، والمخاطر المحيطة بالمدرسة الرسميّة تأخذ الشكل «الوجودي»، الذي يهدّد أصل وجود المدرسة الرسميّة، التي هاجر تلامذتها إلى الخاص، وبقي فيها المعدم تماماً.
حتى اللحظة، انطلاقة العام الدراسي في المدارس الرسميّة غير واضحة، لا شيء مؤكّداً حتى الآن، وكلّ ما نُقل إلى الأساتذة عبر روابط التعليم عن وزير التربية عباس الحلبي بـ«أنّه لن يفتتح العام الدراسي قبل حل مشكلة أساتذة التعليم الرسمي» دخل في خانة «الوعود والكلام بلا جمرك»، بحسب الأساتذة. فالأخير مستمر في استفزازهم بتصريحاته، تارةً «يعوّل على مزيد من التضحيات»، وتارةً أخرى «يهدّد بعدم فتح المدارس الرسميّة نهائياً إذا لم تُدفع الأموال اللازمة من قبل الجهات المانحة».
روابط التعليم أطفأت محرّكاتها في انتظار موعدٍ مؤجلٍ منذ أسبوعين من الحلبي. لا معلومات موثوقة لديها عن التقديمات الإضافية للأساتذة سوى ما ينقل مستشارو الحلبي من وعود. «300 دولار إضافية على الراتب المضاعف سبع مرّات، على أن يتم تأمينها من سلفة الموازنة التي أقرّتها الحكومة لمصلحة وزارة التربية أخيراً».
ولكن، تقول المصادر: «العبرة في التنفيذ». فالحلبي وعد العام الماضي، ولم تُصرف وعوده مالاً في حسابات الأساتذة. حتى الرواتب السبعة الإضافية، المقرّة من الحكومة، لم تُدفع عن أشهر الصيف لكلّ الجسم التعليمي كونهم في عطلة سنويّة، وبحسب روابط التعليم دائماً، فـ«عقدة تأخير دفع الرواتب الإضافية عن أشهر الصيف عالقة في وزارة المالية التي تتكلّم يومياً عن قرب توقيع وزير المال يوسف الخليل على قرار صرف هذه المساعدة».
لكن، تصرّفات دوائر وزارة التربية لا تتطابق مع أقوال الوزير، إذ دعت الأخيرة، عبر مديري المدارس والثانويات، جميع الأساتذة الراغبين بالحصول على أي إجازات للتقدّم قبل نهاية آب من إدارات المدارس.
وبحسب مصادر «الأخبار» في الوزارة، فـ«الطلبات أتت بغية معرفة عدد الأساتذة الراغبين في عدم متابعة التعليم خلال العام الدراسي الحالي لتأمين بدائل عنهم قبل الانطلاقة العتيدة في أيلول المقبل». والأمر انسحب أيضاً على معرفة عدد الأساتذة المصرّين على «الامتناع عن التعليم»، إذ يعمل بعض المديرين «الفاتحين على حسابهم»، وفقاً للأساتذة، على نقل «الممتنعين عن التعليم والمشاغبين» من الثانويات واستبدالهم بالأساتذة المتعاقدين لـ«تأمين عام دراسي سلس. فالمتعاقد لا يتوقف عن العمل كونه يتقاضى معاشه على الساعة».
في المقابل، يقول عضو لجنة الأساتذة المعترضين صادق الحجيري بـ«أن تكرم عينها الوزارة. 5 أيام تعليم، و20 ساعة أسبوعياً، فنحن جاهزون للعودة، ولكن نريد حقوقنا». ورفض الحجيري بشكل قاطع «تحويل الأستاذ إلى مياوم، فربط راتبه بالحوافز أمر مرفوض بشكل تام، كما أصل تجديد فكرة بدلات الإنتاجيّة، وتسمية التقديمات بالمكرمات»، وطلب «دمج هذه المبالغ في صلب الراتب كي لا يشعر الأستاذ بأنّه متسوّل».
وختم الحجيري بأن «لا تطلبوا المزيد من التضحيات، فالأستاذ غير قادر على تحمّل المزيد من التدهور في وضعه المعيشي»، وأشار إلى «أنّ الحريص على التعليم عليه تأمين المقوّمات، وأولها الراتب اللائق، والعيش الكريم، فالموقع الطبيعي للأستاذ هو الصف، إلا أنّنا لا نسمع سوى وعود وتسويف».
وعلى خط موازٍ تحرّك عدد كبير من الأساتذة (حوالي 1300 أستاذ) في الأيام الماضية، وأعادوا إحياء «اللجنة الخاصة بالانتفاضة» التي شُكّلت السنة الماضية للاعتراض على أداء الروابط، وأعلنوا «رفض التسجيل، والامتناع عن التعليم منذ بداية العام الدراسي». وحول قدرة الحركة الاعتراضيّة على فرض الامتناع عن التعليم، وزخم التحرّك، تكلّم عضو اللجنة هلال فتال عن «بقاء الأوضاع على ما كانت عليه السّنة الماضية، وبالتالي التحرّكات مستمرّة، ولكن سننتظر بواقعيّة التقديمات، ومن بعدها يُتخذ القرار بالعودة إلى التعليم من عدمه، والعبرة دائماً في صدق وعود الوزارة».
ولكن، لا يراهن الأساتذة على هذه التحرّكات، بعدما يئسوا من الروابط التي «ترفع السقف بدايةً، ومن ثمّ تطأطِئ الرؤوس»، واللجان المشكّلة على جانبها. بالنسبة إليهم، «نصف الموقّعين على لوائح الإضراب لن يلتزموا به، فأغلب الأساتذة يعملون بأعمال أخرى إلى جانب التعليم، وفي حال لم يُعمّم الوعي لتكوين كتلة كبيرة وصلبة تجبر المسؤولين على الالتفات صوبها لن تنجح التحرّكات». أمّا العام الدراسي، فوصفوه بـ«المتعثّر، والمكركب. جرّبنا السنة الماضية، وفشلنا جرّاء الضغوطات السياسيّة، والعام الدراسي سيمشي بشكل متعثّر».