Site icon IMLebanon

“الجو الأمني”… مَن يخترعه ولماذا؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: 

تحت تأثير الصدمات الأمنية المتلاحقة، في الفترة الأخيرة، تعصف بالبلد هواجس التوتر في غير منطقة، من الجنوب إلى الشمال. ويتم التداول أحياناً بمخاوف من سيناريوهات مواجهة واسعة، خصوصاً إذا تكرّس الفشل السياسي وتم الإعلان صراحة عن سقوط المبادرة الفرنسية.

لا أحد يعرف ما إذا كانت المخاوف الأمنية الجاري تداولها تعبّر فعلاً عن الواقع، أم إن هناك من يروِّجها لغايات سياسية معينة، أي لخلق واقع نفسي ضاغط يخدم هذا الاتجاه أو ذاك.

لكن المؤكد هو أن البلد دخل قبل أسابيع مناخاً أمنياً معيناً، بدءاً بحادثة القرنة السوداء وانتهاء بمقتل عنصر «داعش» في حي السلم، مروراً بقضية مقتل الياس الحصروني في عين إبل، وحادثة الكحالة وانفجار الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة.

في المسائل المتعلقة بالأمن، يقتضي التحليل دائماً بكثير من الحذر، لأن المفاعيل تكون في الغالب أشد خطورة، ولأن كشف الخيوط وإدراك حقيقة ما جرى لا يكون سهلاً. وترافق المواجهات الأمنية حملات إعلامية ودعائية حادة يلجأ إليها الأطراف المعنيون، فيختلط الحابل بالنابل، ويتعذر إظهار الحقائق.

واليوم، يتداول اللبنانيون شائعات، لا يعرفون مصادرها على الأرجح، وتتعلق بـ 3 تطورات أمنية يقال إن لبنان يمكن أن يشهدها في الاشهر القليلة المقبلة:

1 – سيناريو وصول البلد إلى انفجار شامل، نتيجة تعثر المبادرة الفرنسية واحتمال إعلان الوسيط جان إيف لودريان أنه «استسلم» يائساً. ففي ظل الفراغ في موقع الرئاسة وشلل المؤسسات والتحدي في مواجهة الملف المالي – النقدي، مع بداية عهد جديد في حاكمية المصرف المركزي، ثمة من يخشى حصول انفجار اجتماعي يدفع إلى تحريك الشارع احتجاجاً، وقد يتحول انفجاراً أمنياً أيضاً.

2 – هناك معلومات متداولة بكثافة عن عودة وشيكة للمعارك في مخيم عين الحلوة. وثمة توقعات بأن تكون هذه المعارك أشد شراسة من سابقاتها. ويؤشر انفجار الوضع الأمني في المخيم إلى مستوى الاحتقان الذي بلغه الوضع السياسي بين القوى الفلسطينية في المناطق الواقعة تحت إدارة السلطة، بل إلى وجود رغبة لدى طرف فلسطيني أو أكثر في تعطيل أي حوار فلسطيني – فلسطيني وإحباط أي محاولة تفاهم بين القوى الأساسية. ولكن، يصعب عزل هذا التفجير عن سياق التطورات في لبنان، إذ يتزامن مع سلسلة ظواهر أمنية تلاحقت سريعاً، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

3 – هناك موجة تحذيرات جديدة من انفجار الوضع جنوباً، أي اندلاع مواجهة شاملة مع إسرائيل، بتأثير من الاحتقان الإقليمي الحاصل على الجبهة الإسرائيلية – الإيرانية. ولكن، على أرض الواقع، يمكن الحديث عن مبالغات ربما تكون متعمدة، في ما يتعلق باستثارة هواجس الرأي العام، من انفجار بؤر التوتر الثلاث، وهي:

1 – يبدو سيناريو المواجهة الداخلية الواسعة في الشارع، على خلفية فشل التسوية السياسية والمأزق المالي والنقدي، شبه مستحيل، لأن جناحي السلطة والمعارضة في لبنان عاشا أكبر اختبار اعتراضي في 17 تشرين الأول 2019 وتمت سرقة ودائع الناس في شكل لم يسبق أن شهده أي بلد آخر، ثم تم اختبار زلزال المرفأ في 4 آب 2020، بخسائره الكارثية. وعلى رغم من كل ذلك، لم تقع المواجهة، لأن قوى السلطة نجحت في استخدام أساليب الترغيب والترهيب لإخماد الانتفاضة وتشتيت قوى الاعتراض.

2 – يشكل انفجار الوضع في عين الحلوة خرقاً أمنياً مُهماً، لكنه لا يمكن أن يتحول حرباً طويلة الأمد أو أن يتمدد إلى خارج المخيم. وخلال المعارك، بقيت صيدا وسائر جوار عين الحلوة تعيش حياة طبيعية.

3 – الكلام على حرب تفتعلها إسرائيل جنوباً يبقى مجرد تهويل. فالقوى الإقليمية والدولية المعنية ليست في وارد السماح بحصول مغامرة من هذا النوع لا يستطيع أحد تحمل عواقبها.

وانطلاقاً من هذه الوقائع، يمكن طرح السؤال الآتي: إذاً، مَن هو الطرف أو الأطراف التي تعمد في الفترة الأخيرة إما إلى افتعال التوترات الصغيرة المتنقلة، وإما إلى استثمار الحوادث التي تطرأ في شكل مفاجئ، وإما إلى بث الإشاعات التي تهوّل بانفجارات أو حروب؟ ووفق أي أجندة عمل محلية أو إقليمية هي تفعل ذلك؟

يعتقد البعض أن لبنان يدفع غالياً ثمن الدور الذي ارتضاه لنفسه، بعجزه عن إدارة شؤونه بنفسه. فالجميع يستبيح استخدام هذا البلد في النزاع الإقليمي والدولي. وحتى اليوم، لا يريد أي طرف خارجي إسقاط لبنان في الفوضى الكاملة، تجنباً لفتح الأبواب على المجهول في الشرق الأوسط. لكن الجميع لا يتورعون عن استخدام لبنان ساحة نزاع وصندوقاً لتبادل الرسائل الساخنة والباردة، ووفقاً لمصالحهم. ولذلك، هناك من «يخترع» الحروب الصغيرة أو يهوّل بها، والنتيجة نفسها غالباً.