كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بوصول المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين إلى لبنان يكون سجلّ السياح قد اكتمل وبلغت حركة السياحة مداها. الموفد الذي شغل الجميع بزيارته حضر سائحاً يتلو قصائد الغزل بصخرة الروشة ترافقه سفيرة بلاده دوروثي شيا، لينتقل بعدها في مروحية عسكرية إلى قلعة بعلبك «وسط اجراءات أمنية مشدّدة اتخذها الجيش».
محطتان سياحيتان فصلت بينهما محطتان رسميتان بين عين التينة والسراي الحكومي، إكتفى بعدهما الموفد الضيف بالقول من مقر الرئاسة الثانية «اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري كان ممتازاً وبناءً»، لكن لم نعرف تعليقه على ما سمعه من رئيس المجلس حول «ضرورة وقف الإنتهاكات الإسرائيلية للقرار الدولي 1701».
في المعلومات أن زيارة المبعوث الأميركي كانت محدّدة في 29 الجاري، تزامناً مع وصول باخرة التنقيب عن النفط والغاز، في البلوك الرقم 9، لمواكبة انطلاق العمل اللوجيستي في منصة الحفر للتنقيب عن النفط في المياه اللبنانية قرب الحدود الجنوبية. سرّع الفرنسيون العملية وتم تقديم موعد وصول الباخرة إلى 16 الجاري. لم يرغب الفرنسيون في مشاركة الأميركيين الإمتياز المعطى لهم وأرادوا التفرد بالمشهد التاريخي ببدء التنقيب عن النفط في لبنان عبر شركة «توتال إنرجيز» الفرنسية. تفرّدٌ له أبعاده ومبرراته عند الفرنسيين الذين يسعون جهدهم منذ انفجار المرفأ قبل ثلاث سنوات لرعاية لبنان وتأمين انتخاباته الرئاسية لضمان مصالحهم الإقتصادية فيه. لم يغيّر هوكشتاين جدول مواعيده فكان أنّ قرر الإبقاء على زيارته في الموعد ذاته.
رواية ثانية تقول إنّه وصل إلى لبنان لحضور احتفال تقيمة شركات النفط مواكبة لبدء التنقيب. وتفيد مصادر حكومية بأنّه أجرى خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جولة أفق حول مواضيع متعددة، لكنه ركّز على المخارج التي يمكن أن تؤمن الهدوء والإستقرار على الحدود وامكانية التوصل إلى توافق في شأن النقاط المتنازع عليها على الحدود بين لبنان واسرائيل.
وتتابع أنّ «هوكشتاين لم يحمل أي جديد أو يتحدث عن طرح معين، بل تحدث عن أمور عامة» بدليل التزامه الصمت خلال زيارتيْه إلى رئيسيْ المجلس والحكومة، فصرّح الأول تعقيباً على الزيارة، فيما لم يجد الثاني ما يقوله فالتزم الصمت.
هوكشتاين الذي أنجز ملف الترسيم البحري وأوصله إلى برّ الإتفاق، ورقّي إلى رتبة مستشار رئاسي للرئيس الأميركي جو بايدن، يطمح إلى تسجيل النجاح ذاته في ملف الحدود البرية الذي صار في عهدته، لكن خطوة كهذه وفي ظل الوضع الراهن في لبنان وقبيل انتخاب رئيس للجمهورية سيكون من الصعب تحريك ملفها، وتسجيل خطوات عملية في شأنها، وإن كان الأميركيون يطمحون إلى ختم ملف التنازع على الحدود الجنوبية نهائياً لضمان الأمن والإستقرار لإسرائيل التي شرعت في الإستفادة من ثروتها النفطية بعد تسع سنوات من العمل وقبيل اتفاق الترسيم مع لبنان.
كان آخر ما تم البحث فيه هو النقاط السبع العالقة على الحدود، واعتبار لبنان أنّ حدوده مرسمة منذ عام، 1926 وما يجري حالياً هو اعادة تثبيتها وليس ترسيمها مجدداً، فيما يطمح الجانب الإسرائيلي مدعوماً من الأميركيين إلى اعتماد الخط الأزرق كخط حدود نهائي وهو ما يرفضه لبنان.
لكن مصادر سياسية مواكبة تستبعد أن تكون الزيارة بلا مضمون، وإن كان البحث سيكون في مراحله الأولى، وتجزم بأنّ المبعوث الأميركي حمل اقتراحاً حول تثبيت الخط الأزرق واعتباره الخط الأساسي للحدود بين لبنان واسرائيل. وهو يرغب في استكمال عملية الترسيم البري بعد البحري منطلقاً من فرضية أنّ الظرف مؤاتٍ، لأنه يمكن الضغط على اسرائيل كي توافق على اقفال ملف الترسيم نهائياً، وسحب فتيل التوتر والقلق على الحدود، لكن لبنان ومن ضمن النقاط السبع المتنازع عليها، يعتبر أنّ النقطة B1 هي الأهم وتعتبر نقطة تلاقي البر بالبحر، وتبسط اسرائيل سيطرتها عليها وتستعملها منتجعات سياحية.
ويعتبر لبنان أنّ الجواب في شأنها هو لدى الجانب الإسرائيلي الذي يفترض به الإنسحاب منها، كما من باقي الأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وإن كان من المستبعد أن تتجاوب اسرائيل وتنسحب من المناطق التي تحتلها أو تتراجع عن النقطة المشار إليها.
القضية ليست سهلة وظروفها تكاد تكون معقّدة من ناحيتي لبنان واسرائيل، فإذا كان لبنان وافق على الترسيم البحري في سبيل الإستفادة من ثروته النفطية وحمايتها فإنّ الحدود البرية أمرها محسوم بالحدود المتفق عليها عام 1926 والمطلوب تثبيتها وليس تحويل الخط الأزرق الذي هو خط الإنسحاب أو خط ربط النزاع إلى حدود معترف بها دولياً، كما يرفض لبنان التسليم بمنطق إرجاء البت بلبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا واعتبارها تابعة لقرارات مجلس الأمن المتصلة بالصراع السوري مع اسرائيل.
عقبة إضافية تتعلق بموقف «حزب الله» وايران من الترسيم، فالـ»حزب» الذي سهّل الترسيم البحري ورفع «الفيتو» عنه قد لا يجد مصلحة في ترسيم بري لا يعترف بحدود لبنان الموثّقة دولياً، خصوصاً أنّ أي انسحاب من الجانب الاسرائيلي سيطرح مستقبل سلاحه على بساط البحث مجدداً في ظرف بالغ التعقيد إقليمياً ومحلياً.