كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
تأتي كلمة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في الذبيحة الإلهية لراحة أنفس شهداء «المقاومة اللبنانية»، الأحد المقبل في 3 أيلول 2023، في معراب، في ظلّ شغور رئاسي يقارب السنة، وعلى وقع الحوار الرئاسي الجاري بين «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وقُبيل الزيارة المرتقبة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان.
جعجع سيتناول في كلمته الأحد، عناوين عدة وطنية وسياسية تشكّل «قلقاً» لدى الشعب اللبناني، بدءاً من انسداد الأفق الوطني لقيام دولة فعلية وصولاً إلى الواقع الانهياري، وما بينهما التفلُت الأمني والفساد المستشري وغياب الحلول الوطنية. وبالتالي ستكون كلمة جعجع مناسبة لتأكيد الأهداف الوطنية المرجوة في هذه العناوين كلّها والتي تواصل «القوات» السعي إليها.
كذلك سيركّز جعجع على العناوين السياسية الإشكالية، وعلى العناوين المطروحة في الآونة الأخيرة والتي سبق أن شكّلت مدار تركيز مستمرّ من «القوات» من الشغور الرئاسي وموقف «القوات» منه وصولاً إلى «اغتيال» المسؤول القواتي في الجنوب الياس الحصروني. لكن الخط الأساس الذي يحكم كلمة «الحكيم» سيكون مزدوجاً، ويكمن جوهر كلمة جعجع في قاعدتين أساسيتين:
الأولى، تشخيص دقيق لواقع الأزمة في لبنان يسلّط الضوء على مسبّب الأزمة، إذ لا يجوز بالنسبة إلى «القوات» الاكتفاء بتشخيص عام من دون تسمية الأمور بأسمائها ومن دون تحميل الفريق المعطّل للحلول المسؤولية. وبالتالي سيُظهر جعجع عبثية قاعدة «كلّن يعني كلّن»، مفصلاً المسؤولية المباشرة على فريق الممانعة، بتسمية واضحة لهذا الفريق الذي يتحمّل المسؤولية الأساس في وصول الوضع إلى ما هو عليه وعدم الخروج من هذا الواقع وإبقاء لبنان في هذا الوضع المتهالك، لأنّه يريد السيطرة على الدولة ومؤسساتها وإبقاء لبنان ساحة، ويمنع قيام دولة ويُبقي لبنان في ظلّ منظومة فساد لأنّه يستفيد منها لتمويل أنشطته ورشوة من يدعمه سياسياً. هذا العنصر الأساس في كلمة جعجع، يبدأ من الكلمة الأولى الأحد، وينتهي بالكلمة الأخيرة، وخلاصته، أن لا خلاص للبنان ولا إنقاذ في ظلّ تحكّم «الممانعة» بالقرار السياسي. كلام جعجع هذا ليس جديداً، لكن بالنسبة إلى «القوات»، من المهم جداً ودائماً، تذكير اللبنانيين بطبيعة المشكلة والتركيز على هذه المشكلة ومواجهتها، فهي لا تُحلّ من خلال قاعدة «لا لون ولا طعم»، إنّما بتسمية الأمور بأسمائها.
القاعدة الثانية التي تحكم كلمة جعجع، هي «الإصرار على المواجهة». لن يكتفي رئيس «القوات» بتشخيص الواقع، وتحديد المشكلة، وتسمية الأمور بأسمائها، بل سيؤكد التصميم على المواجهة السياسية والنضال السياسي، وعلى عدم التراجع ورفض الاستسلام والإحباط، وعلى الإرادة والصلابة من أجل قيام الدولة، فلا خلاص للبنان إلّا بقيام دولة فعلية.
رفض الحوار
من هذا الخط الأساس، تتفرّع كلمة جعجع إلى رفض الحوار رئاسياً بغية تكريس معادلات مرفوضة والانصياع لرغبة فريق «الممانعة»، ورفض الوصول إلى رئيس ممانع، ومنع «الممانعة» من أن تنتصر في استحقاق رئاسة الجمهورية، لأنّ انتصارها يعني بقاء لبنان في الحالة الكارثية القائمة. وسيشير جعجع إلى أنّ «القوات» لا تقف «متفرّجة» في الاستحقاق الرئاسي، بل إنّها تعمل على مواصلة تدعيم وضعية المعارضة، وتبذل مزيداً من الجهود الوطنية والسياسية والديبلوماسية على هذا المستوى.
وبذلك، سيوجّه جعجع رسالة إلى كلّ من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، مفادها أنّ مساعدة لبنان تكون من خلال التزام الدستور اللبناني والنصوص المرجعية المتعلّقة بلبنان سواء كانت قرارات جامعة الدول العربية أو القرارات الدولية، ومساعدة البلد لا تكون من خلال مبادرات لا علاقة لها بميزان القوى السياسي في لبنان والتوجُه اللبناني ولا تخدم المصلحة اللبنانية.
كذلك سيتطرّق جعجع إلى حوار «الحزب» – جبران باسيل، ضمن تناوله العناوين السياسية المطروحة، بحيث سيؤكّد أنّ الرئاسة لا تتحقّق عن طريق أي مقايضة أو معادلة «عطيني تأعطي»، فهذا استحقاق قائم بذاته وليس عرضة للتنازل، فضلاً عن أنّ مواضيع المقايضة حقوق مكتسبة وجزء من الدستور، فأين كان باسيل من هذه المواضيع في السنوات الست من عهد الرئيس ميشال عون؟
لكن من المرجح أن لا يذكر جعجع هذا الحوار بالإسم، وسيتطرّق إليه على أنّه عنوان سياسي مطروح من دون الدخول في مواجهات مع أشخاص.
عام 2020، طرح جعجع في الذكرى نفسها، اللامركزية الموسّعة، من دون أن يحدّد ما إذا كان يعني اللامركزية الإدارية أو السياسية أي الفدرالية، وذلك رداً على طرح «المؤتمر التأسيسي»، فأراد القول: «لسنا خائفين.. ومقابل كلّ طرح هناك طرح». وفي الذكرى نفسها، عام 2021، دعا جعجع اللبنانيين إلى التمسُّك بـ»الأمل» وتحمُّل مسؤولياتهم والاقتراع في اتجاه تغيير الأكثرية الحاكمة في الانتخابات النيابية. وخصّص الشيعة برسالة، داعياً إيّاهم إلى «الانقلاب» على «حزب الله» الذي «ذَلّ اللبنانيين وجَوّعهم»، ومن بينهم الشيعة.
أمّا في أيلول الماضي، ومع اقتراب نهاية عهد عون، ففصّل جعجع «فشل» عون وتداعيات معاركه وحكمه على اللبنانيين والمسيحيين والبلد منذ عام 1989. وأكد رئاسياً، «أنّنا لن نقبل بست سنوات شبيهة بالتي مرّت ولن نرضى برئيسٍ منهم. ودعا النواب وخصوصاً الكتل المعارضة إلى تحمّل المسؤولية وانتخاب رئيس إنقاذي. بعد عام على كلمة جعجع تلك، نجحت «القوات» حتى الآن في منع وصول رئيس «ممانع»، وثبت مدى أهمية الانتخاب ومسؤولية النواب على هذا المستوى، خصوصاً من يعرقلون انتخاب رئيس للجمهورية ومن يقفون في «الوسط» ويُعتبرون أنّهم معرقلون بشكل أو بآخر.
هذا العام، لن تحمل كلمة جعجع رسالة محدّدة لفئة ما، بل إنّ فحوى رسالته موجّه لجميع اللبنانيين، وخلاصتها: «لا تخافوا ولا تُحبطوا وتمسّكوا بالأمل والمواجهة، ففي نهاية المطاف ما بصحّ الّا الصحيح».