جاء في “الراي” الكويتيّة:
غادر وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان بيروت، وبقيَ صدى تصريحاته التي اعتُبرت بمثابة إعلان «كش ملك» للدور الفرنسي في الأزمة الرئاسية اللبنانية حاضراً بقوة على «رقعة الشطرنج» المحلية – الإقليمية. وقال رئيس البرلمان نبيه بري «كلمته ومشى» في ما خصّ اقتراح انتخاباتٍ رئاسيةٍ «على مرحلتين»، تمهيدية تُغربل الأسماء المرّشحة بناءً على مواصفاتٍ ويَجري «حوار الأيام السبعة» حولها في أيلول الجاري توطئةً لجلسات انتخاب متتالية، ولكن خفايا هذا الطرح الذي جُوبه بـ «حائط صدّ» من قوى وازنة في المعارضة تحوّلت محط «بحث وتحرٍّ» في الكواليس السياسية بعيداً من «قشور» اللعبة الداخلية ومناوراتها و… ألاعيبها.
وتساءلت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت: هل من رابط بين مواقف عبداللهيان ومبادرة بري؟! وذلك بعيداً من «الهدف المعلَن» من وراء التصويب المباشر لوزير الخارجية الإيراني و«بلا قفازاتٍ» على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على خلفية انتقاده الضمني قبل أيام الدور السلبي لطهران في الملف اللبناني، ليخاطبه من بيروت قبل نحو أسبوعين من الموعد المفترض لعودة موفده جان – إيف لودريان إلى «بلاد الأرز» بلغةٍ غير مألوفة إذ قال «أنصح الرئيس الفرنسي بدل أن يكرّس جهوده في التدخل في شؤون الدول أن يصبّ اهتماماته في شؤونه الداخلية».
وإذ راوحت القراءات لمضمون الرسالة الإيرانية «الزاجرة» لباريس بيّن أنها «نعي» لمَهمة لودريان وإعلان إحالة الدور الفرنسي – الذي انضوى أكثر تحت سقف «مجموعة الخمس» حول لبنان- «على التقاعد» بعدما سمحت طهران بـ«انتفاخ» هذا الدور منذ أن تبنى خيار «الممانعة» بدعم سليمان فرنجية للرئاسة في المرحلة الأولى من المبادرة، وبيّن أن طهران التي تشدّ واشنطن «الحبلَ» حيالها في أكثر من ساحة اختارتْ استدراج «الأصيل» أي الولايات المتحدة إلى «أخْذ وردّ» حول الواقع اللبناني انطلاقاً من الوقائع المتحرّكة في المنطقة، فإن التدقيقَ في ما اقترحه بري حَمَلَ أبعاداً أبعد من مجرّد قطْع الطريق أيضاً على وساطة الموفد الفرنسي، الذي كان يُحْصي الأجوبة على سؤالين أودعهما النواب اللبنانيون حول مواصفات الرئيس العتيد للجمهورية وأولوياته تمهيداً للقاء جامع يُفْضي لجلسات انتخاب متتالية، لاسيما أن بري بدا وكأنه «تَقمّص» مقترح لودريان و«لبْنَنَه» ما جَعَلَ الأخير وكأنه مبعوث «منزوعَ السلاح».
وفي رأي بعض الأوساط أن في خفايا طرْح بري إعلانٌ ضمني بـ«انتهاء الوقت الأصلي» لحوار حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل حول الملف الرئاسي والذي أراد الحزب من خلاله جرّ الأخير لدعم خيار فرنجية، فيما يحاول باسيل إرساء مقايضةٍ ظاهرها الحصول على اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني لقاء إمكان السير بزعيم تيار المردة، في حين أنها ترتكز في أساسها على رفْضٍ «عميق» لوصول قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية.
وفي الإطار، تضجّ الكواليسُ السياسية بـ«هَمْسٍ» عن أن الحوار الشاقّ بين الحزب والتيار يُرجّح أن يبلغ الطريقَ المسدود، من دون أن يعني الأمر عودةً إلى القطيعةِ التي أعقبتْ خلافَهما بـ «مكبّرات الصوت» حول الاستحقاق الرئاسي واسم الرئيس العتيد.
ورغم أن الحزب أَدْرَكَ منذ البداية أنه لا يمكنه إقناعَ الآخَرين بأي اتفاقٍ مع باسيل حول شروطه للتفاهم على الخيار الرئاسي، فإن الحزب بدا وكأنه ضاق ذرعاً بما يعتبره قريبون منه ابتزازاً من رئيس التيار، الذي يريد «كل شيء أو لا شيء».
وفهمتْ «الراي» من أوساط واسعة الاطلاع، أن «حزب الله» لن يُجاري باسيل في الجنوح نحو اللامركزية المالية التي من شأنها تكريسُ خطوةٍ ذات طابع تقسيمي وإضعاف مكانة وزارة المال، وهو الأمر الذي لن يتسامح به شريكه في الثنائية الشيعية، أي بري (كان الثنائي مَنَح «المالية» بُعداً ميثاقياً على مستوى توازن التواقيع الميثاقية في السلطة التنفيذية).
وفي إشارةٍ بالغة الدلالات وتنطوي على مقاربة جديدة للحزب حيال خياره الرئاسي، نَقَلَ مَن هم على درايةٍ بمداولاتٍ تَجْري في أروقته مآخذَ على باسيل الذي يشطب اسم قائد الجيش من أي حوارٍ حول المرشح الثالث، غير فرنجية المدعوم من الحزب وبري، وجهاد أزعور الذي تَقاطَعَ رئيس التيار والمعارضة على ترشيحه.
وقالت دوائر مهتمة لـ «الراي»، إن حزب الله الذي دأب أمينه العام السيد حسن نصرالله أخيراً على الإشادة بالجيش وقائده، لن يُمانع انتخاب عون رئيساً في حال حظي بدعْم قوى أساسية في البرلمان خصوصاً إذا تراجعتْ حظوظ مرشحه فرنجية لمصلحة قائد الجيش.
ولاحظت أن حزب الله الذي يفضّل دعْم مرشحٍ «يعرفه» بحُكم التجربة يُعْلي منذ مدة خطاباً تُشتمّ منه ثقة بقائد الجيش «الحريص على السلم الأهلي»، وأن الحركة الحوارية لبري، الذي «يفتح القنوات» مع العديد من عواصم القرار، تبدو استطلاعيةً في الاتجاه عيْنه، لاعتباراتٍ داخلية، وأخرى خارجية لا يمكن إسقاطها عن الملف الرئاسي الذي بات «مدوَّلاً».
وثمة مَن يتعاطى مع ارتفاع حظوظ قائد الجيش رئاسياً، على أنه ينطوي في خفاياه على ما هو أعمق من مآل الحوار بين «حزب الله» وباسيل وألغامه، وسط أسئلة حول إذا كان الحزب بدّل «استراتيجيته» الرئاسية ربْطاً بمخاوف مازالت «قيد الكتمان» في دوائر ضيّقة غير بعيدة عنه، من «تحضير المسرح» لنقْل ملف سلاحه إلى مرحلة من العصف السياسي وربما جرّ البلاد إلى «حربٍ أهلية» ربْطاً بما يعتبره هؤلاء مساراً متشابكاً ارتسم ويبدأ بالتعديلات على مهمة «اليونيفيل» وفق ما عبّر عنه قرار التمديد لها الخميس، ولا ينتهي بتحضير الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لوضع ملف النزاع البري بين لبنان واسرائيل على خط نزْع فتائله وقفْله، وربما ضمّ مزارع شبعا حتى إلى سلّة «سحب الذرائع» من أمام «حزب الله» و«وظائف سلاحه».
بهذا المعنى، وبمعزل عن شكوك البعض في أن يكون وراء وضْع اسم عون على الطاولة الآن محاولة لاستدراج المعارضة إلى الحوار أو «رفْع العصا» لباسيل، يصبح مباحاً السؤال هل تقتضي أولوية حماية السلاح ومنْع سقوط الحزب في وحول صِدام داخلي جعْلَ الخيار الرئاسي مُطابقاً لهذه الأولوية وتَفادي حصول الانتخابات الرئاسية «على فالق» انقسام عمودي يُشكّله الإتيان برئيس بالنصف زائد واحد، وتالياً اختيار رئيسٍ يحظى بقبولٍ داخلي جامع، ويُحْرِج الخارج، الذي يدعمه أو لا يمانعه، بحيث لا يزرع «عبوات» في طريق ولايته.