كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
تجاوز العنف ضدّ الأطفال حدود المدرسة والشارع ودار الحضانة إلى الملاذ الذي «لم يعد آمناً»، حيث الاغتصاب والتحرّش والضرب المبرح حتّى الموت والتهديد بالقتل بأسلحة حربية… جرائم تُرتكَب داخل المنازل، أبطالها أحد الوالدين أو أحد أفراد العائلة، وفي مراكز الإيواء بحق نزلائها من الأحداث والقُصّر.
صارت حوادث العنف ضدّ الأطفال أخباراً «روتينية» تتغيّر فيها أسماء الضحايا فقط. بعد خبر وفاة الطفلة لين طالب (6 سنوات) في عكار نتيجة اعتداء جنسي متكرر تسبّب في إصابتها بنزيف حادّ والتهابات شديدة، وتوقيف والدة الطفلة وجدّها، توالت الأحداث المشابهة. قبل اسبوعين، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الاشتباه بأنّ ابنة التسع سنوات التي أُحضرت جثة إلى أحد المستشفيات في مرجعيون، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، توفيت نتيجة تعرّضها للضرب من والدها. في اليوم التالي، أوقف رجل في بلدة كفركلا الجنوبية اعترف بتعنيف زوجته وابنته القاصر وتهديدهما بأسلحة حربية.
«رغم ارتفاع عدد حوادث العنف الأسري ضدّ الأطفال في النصف الأول من السنة الجارية مقارنة بالنصف الثاني من العام الفائت»، بحسب رئيسة جمعية «اتحاد حماية الأحداث» أميرة سكر، إلا أنّ «جرائم العنف عموماً والعنف الأسري على الأطفال خصوصاً ليست جديدة ولا يزداد وقوعها. الجديد أن التبليغ عنها يزداد بعدما كُسر حاجز الصمت وصارت تخرج إلى العلن بوجود وسائل التواصل الاجتماعي»، وفق ما تُجمِع عليه سكر ومتابعو قضايا العنف ضدّ الأطفال.
ويعزو الأستاذ المحاضر في علم النفس الاجتماعي رضا الشاب العنف الذي يمارسه أحد الوالدين على الأطفال إلى «تفضيل الأهل العقاب على التعزيز الإيجابي أو السلبي في عملية التنشئة». ويوضح: «الطريق الأول أسهل في نظر الأهل لإيقاف سلوك الطفل بدل العمل على تعديله، ويرتبط بمكبوتات نفسية لديه، فمن يُماِرس التعنيف هو في أغلب الحالات تعرّض للعنف في مرحلة سابقة». لا ينكر الشاب تداعيات الأزمة الاقتصادية، إذ «يمارس الفرد العنف كردّة فعل سلبية على الضغوطات النفسية والمعيشية فيكون الطفل فشة الخلق لأنه الحلقة الأضعف، خصوصاً إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة». لكنه يلفت إلى «أرضية مُهيَّأة للعنف ضدّ الأطفال في المجتمع اللبناني تتمثّل في التبريرات الذاتية بأنّ الوالدين يملكان الطفل، عدا التساهل المجتمعي مع العنف الأسري وربطه بخصوصية العائلة».
بما أنّ الأهل هم المولجون بتوفير الرعاية والعناية والحماية لأطفالهم بالدرجة الأولى، فمن يحمي الأطفال من الخطر الذي يتسبب به الأهل أنفسهم؟
تقول مسؤولة قسم حماية الأطفال في جمعية «كفى عنف واستغلال» ماريا سمعان إنه في هذه الحالة، «تقع مسؤولية الحماية على عاتق الدولة بموجب القانون الرقم 422 لحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر. لكنّ الدولة رمت المسؤولية على كاهل الجمعيات الأهلية التي تعاني نقصاً في التمويل الخارجي بعدما خرجت قضايا الحماية من سلّم أولويات المموّلين».
حماية الأطفال ليست في سلّم أولويات المموّلين والجمعيات غير الحكومية
كثيرة هي مشاكل جمعيات حماية الأطفال ومراكز الإيواء التي توفرها، بدءاً من «عددها القليل، ونظامها الذي لا يوفّر الأمان فعلاً للأحداث، وعدم وجود حسيب أو رقيب على هذه الجمعيات، بدليل الانتهاكات التي ارتكبتها جمعيّة «قرية المحبة والسّلام» بحق قاصرين وتورّط أعضائها في الإتجار بالبشر والاعتداء الجنسي والاستغلال، ما يشير إلى غياب أي سلطة قانونية لمؤسسات الدولة على غالبية الجمعيات غير الحكومية. وليست هذه الجمعية استثناء، لكنها كانت فاتحة لتكرّ بعدها سبحة مراكز «اللاأمان». هذا ما تؤكده سكر، مشدّدة على أن «مكان الطفل هو منزله وليس دور الرعاية، وعند الضرورة القصوى لا بدّ من مراقبتها، وإلا سنكون قد أخذنا الطفل من الخطر إلى الجحيم، كذلك يجب التدقيق في برامجها لأنّ الجمعيات في لبنان لا تحصل على تمويل إلا إذا كانت تحمل أجندات المموّلين، والمطلوب اليوم هو الترويج للمثليين». لذلك، الحلّ يبدأ بـ«وضع نظام تعليمي وتربوي وإعلامي يغيّر المنظومة الفكرية السائدة ويعيد النظر في المواد الثقافية والترفيهية المنتجة، وينشر الوعي حول أساليب التربية الصحيحة وطرق التبليغ على العنف».
أما تشريعياً، فقد نصّ قانون العقوبات في المادة 506 على «تشديد العقوبة على من يجامع قاصراً تربطه به صلة قرابة، كأن يكون أحد الأصول (الأب أو الجد) أو الأصهار، أو كل شخص يمارس عليه السلطة». وقضت المادة المذكورة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقّتة، وتبدأ بالسجن سبع سنوات في حال كان القاصر دون الخامسة عشرة من عمره، وتسع سنوات إذا كان القاصر دون الثانية عشرة من العمر. وهذا ما تجده سكر «تمييزاً غير مبرّر بين ضحية وأخرى بحسب عمرها، عدا أنّ العقوبة غير رادعة ولا تنسجم مع حجم الجريمة».