كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ليس تفصيلاً بسيطاً أن يوجّه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الرسالة – النصيحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من بيروت عشية وصول الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان، حيث قال كبير الدبلوماسيين الإيرانيين من سفارة بلاده في بيروت «أنصح السيد ماكرون بالتركيز على الوضع داخل فرنسا بدلاً من الاهتمام بمسائل التدخّل في دول أخرى»، وذلك ردّاً على كلام الأخير أمام سفراء بلاده المجتمعين في قصر الإليزيه، حين تطرق إلى «أنشطة زعزعة الاستقرار الإقليمية التي قامت بها إيران في السنوات الأخيرة»، معتبراً أنّ «أحد العناصر الأساسية» من أجل «حلّ سياسي في لبنان سيمرّ بتوضيح التدخلات الإقليمية بما فيها التدخل الإيراني».
لا حاجة بعد هذا «السجال الناعم» للتعويل على مهمة لودريان المفترض وصوله الى بيروت خلال أيام، والتي بدت أصلاً محكومة بالفشل، حتى قبل أن يتولى وزير الخارجية الإيراني الردّ على اتهام ماكرون، بفعل الانخراط المعاكس لرباعي اللجنة الخماسية، وهو اتهام لا يتردد الفرنسيون في التعبير عنه صراحة في مجالسهم، محمّلين شركاءهم في اللجنة الخماسية، مسؤولية إجهاض حراكهم الرئاسي في لبنان.
ومع ذلك، ثمة من يرى أنّ اندفاعة رئيس مجلس النواب نبيه بري باتجاه تبني طاولة حوار رئاسية على أن تليها جلسات انتخابية مفتوحة، لا دورات انتخابية مفتوحة، محاولة «التفافية» على الضغوط الدولية المرتقب تطور وتيرتها مع الوقت، في حال بقي الاستعصاء الرئاسي مسيطراً على المشهد الداخلي. اذ يقول المتابعون إنّ بري يتصرف على قاعدة تبرئة ذمته من تهمة التعطيل التي يواجَه بها من جانب الدول المعنية، وتحديداً الولايات المتحدة التي سبق وطالبته، عبر أكثر من مسؤول بفتح أبواب البرلمان لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وهو لذلك، قرر مدّ يد التعاون من خلال إعادة إنعاش الجلسات الانتخابية، واذا ما تمّ تعطيلها، وهو الأمر المرجح، فيكون بذلك قد أدّى قسطه للعلى، ليرمي الطابة في ملعب الخصوم الذين سيتحملون مسؤولية إغلاق البرلمان وتأجيل الاستحقاق.
في هذه الأثناء، يفترض أن يبدأ عمل اللجنة المشتركة بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» لمناقشة الأوراق التي أعدها الأول بخصوص مطالبه، أي اللامركزية المالية الموسعة والصندوق الإئتماني، وبناء الدولة. وحتى مساء أمس، لم يتحدد بعد موعد الاجتماع الأول، والمتوقع انعقاده هذا الأسبوع بين فريقَي العمل، وهي تضمّ عن «التيار»، النائب ألان عون وطوني قسطنطين والمحامي طوني عبود، فيما يفترض أن تضمّ عن «الحزب» النائب علي فياض وعبد الحليم فضل الله… وسط ترجيحات من جانب الفريقين تقول إنّ مشوار الحوار المشترك، طويل جداً.
في الواقع، لا معطيات جدية تفيد بإمكانية حصول أي خرق رئاسي في المدى المنظور. في هذه المرحلة، وحده النشاط القطري، المدعوم سعودياً وأميركياً، قد يحرّك المياه الراكدة، اذا ما بلغت مفاوضاته مع الإيرانيين مطارح مشتركة قد تساعد على انجاز الاستحقاق ضمن تسوية شاملة. أمّا غير ذلك، فيبدو أشبه بالدوران ضمن حلقة مقفلة.
ولهذا، لم تحمل «رسالة الودّ» التي وجهها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تجاه «حزب الله» أي استثناء يمكن الركون إليه، ولو أنّه توجّه بالمباشر إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله بالدعوة إلى الحوار، اذ قال «صحيح أنّ «حزب الله» رشح سليمان فرنجية وتمسّك به، لكن في الإمكان الوصول معه إلى حل وسط إذا جلسنا وتحاورنا، ويمكن محاورته على اسم آخر. يجب أن نجلس مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ليس من أجل انتخاب الرئيس فقط، بل أيضاً من أجل مستقبل لبنان». وهي بنظر المواكبين، تصوّب على هدفين:
الأول، التأكيد على أنّ التفاهم مع «حزب الله» ممر إلزامي لأي اتفاق سياسي، رئاسي بالتحديد، ومن دونه لا إمكانية للعبور إلى الاستقرار السياسي وبالتالي العمل على لجم التدهور والانهيار الحاصل. وهو الخطّ لذي رسمه الاشتراكيون لأنفسهم في هذه المرحلة لكي يبقوا صلة الوصل قائمة مع مختلف الأطراف.
الثاني، الفصل بين المسارين اللبناني والسوري، أي بين موقف الحزب التقدمي من الاستحقاق الرئاسي والقائم على قاعدة الحوار، وبين الموقف من الحراك الدرزي في محافظة السويداء والذي يؤيده الاشتراكيون، الذين أعلنوا صراحة وقوفهم «إلى جانب حراك أبناء الشعب السوري في محافظة السويداء الذين يطالبون بالحد الأدنى من العدالة والعيش الكريم وحقوقهم الطبيعية، وفي رفضهم لسياسات الإذلال والتجويع التي مارسها ويمارسها النظام السوري بحق الشعب السوري في كل المناطق والمحافظات السورية، بعدما أمعن لسنوات في القتل والتهجير».
ولهذا، بدت رسالة جنبلاط أشبه بمحاولة لقطع طريق خلاف محتمل مع «حزب الله» بسبب الحراك السوري المستجد، وهو لا يعبّر عن تطور نوعي في الملف الرئاسي اللبناني. وأكد رئيس الحزب التقدمي تيمور جنبلاط أمس أنّ «الأفق السياسي مقفل ولا حلول. وطالما أن أي خيار صدامي سيأخذنا إلى مآسٍ جديدة وبعدها سنعود للحوار الذي لا بديل عنه. الأفضل إذاً وقف تضييع الوقت وتراكم المآسي، وأن نذهب لحوارٍ جاد للخروج من الأزمة».