كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
يقع لبنان تحت تأثير ما يجري من تطورات وأحداث ضمن الداخل السوري، خصوصاً في محافظة السويداء التي استعادت وهج الثورة السورية، حيث تلفح رياح النزوح غير الشرعي مجدداً حدود لبنان بعد معاناة استمرت 12عاماً من دون أن تقفل. وأعادت التظاهرات التي اشتعلت في سوريا منذ أسبوعين تقريباً، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الذاكرة إلى ربيع عام 2011 تاريخ انطلاق الثورة، التي كانت تداعياتها الأولى دخول أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري توزعوا على مختلف الأراضي اللبنانية، وكان للبقاع الشمالي حصة الأسد منها، بعدما فتح الأهالي منازلهم للهاربين من نيران الحرب، وشكّلوا لهم البيئة الحاضنة والمتضامنة ضد الظلم والعنف. وبعد سنوات من الحرب وانكشاف تداعيات النزوح على الداخل اللبناني، وتأثيراته السلبية من مختلف الجوانب والنواحي، تبدلت المفاهيم والمعطيات لدى أغلب الفئات والأطياف، وارتفعت الأصوات المطالبة بعودة هؤلاء إلى ديارهم بعد حال الإستقرار التي تسيطر على أغلب المناطق السورية.
ومع انطلاق التظاهرات من جديد في محافظة السويداء في سوريا، عادت إلى الواجهة حركة النزوح غير الشرعي نحو الأراضي اللبنانية عبر المعابر غير الشرعية، ولا سيما في البقاع الشمالي وعلى الحدود الشمالية، ونشطت معها حركة المهربين في تأمين نقل الهاربين من الداخل السوري، وتأمين دخولهم إلى لبنان مقابل بدلٍ مادي.
عشرات المعابر غير الشرعية تمكّن الجيش اللبناني من اقفالها منذ أكثر من سنة، وكانت تستعمل في تهريب البضائع والمواد الغذائية والمحروقات، ليعاود المهرّبون وأصحاب تلك المعابر استحداث غيرها. ولأنّ الحدود تمتد على مساحات شاسعة ولا يمكن للجيش اللبناني أن يغطي كامل تلك المساحة، بقي البعض منها خارج نطاق السيطرة، وعليه استعملها المهرّبون منذ بداية تظاهرات السويداء في تأمين نقل السوريين الراغبين بدخول لبنان خلسة، وممن لديهم أقارب هنا. ومع ارتفاع الأعداد يومياً بدأ الجيش العمل على ملاحقة الهاربين والمهربين معاً وإقفال ما أمكن من تلك المعابر. وذكرت مصادر أمنية متابعة لـ»نداء الوطن» أنّ «الجيش ومديرية المخابرات عملا على إقفال معظم تلك المعابر على حدود الهرمل، والممرات التي تستخدم للعبور، والتي تتداخل فيها الأراضي اللبنانية والسورية، ولا سيما في مناطق: المشرفة، مرطبا، حوش السيد علي، القصر، الهرمل، وادي فيسان، حرف السماقة، وفي القاع ورأس بعلبك، وهي كانت تستخدم سابقاً في عمليات تهريب البضائع والمواد الغذائية والمحروقات، وتسيطر على كلٍ منها مجموعة، الأمر الذي خفف من وتيرة الأعداد التي تدخل يومياً، وتقدر بين 50 و70 شخصاً.
المتابعة الدقيقة والمراقبة التي تجريها عناصر مديرية المخابرات، وأفواج الجيش المنتشرة على الحدود وأبراج المراقبة، أسفرت عن إحباط الكثير من عمليات التسلل وإعادة المتسللين إلى ديارهم، وبلغ عدد المعادين إلى الداخل السوري خلال الأسبوع الماضي أكثر من ألف شخص. وأوضحت «أن الأعداد التي تدخل إلى لبنان في تزايد مستمر، وتكون وجهتها البلدات التي تضم مخيمات للنازحين، ومن لديهم أقارب، وتتخطى في بعض الأيام العشرات الذين ينجحون في المرور. كذلك يعيد الجيش العشرات يومياً، وكان آخرها ليل الإثنين حيث تمكّن من إحباط محاولة تسلل 30 نازحاً على حدود رأس بعلبك، كانوا مخبّئين ضمن شاحنة تحمل شرائح بلاستيكية تستعمل لنقل الخضار والفاكهة، وتم تسليمهم إلى الجهات المختصة بالإضافة إلى توقيف المهربين». وختمت المصادر: «الطبيعة الجغرافية للمنطقة تصعّب من المهمة، وتمنع توقيف حركة التسلل غير الشرعي مئة في المئة، غير أنّ عمل الجيش متواصل ومستمر في سبيل مكافحة تهريب الأشخاص عبر المعابر غير الشرعية في البقاع الشمالي».
بدورها، تشير مصادر محلية إلى «أنّ الأعداد التي تمرّ يومياً وتتمكّن من الدخول رغم تشدّد الجيش، لا تُعرف الوجهة التي تقصدها، وهي في تزايد مستمرّ»، وتتخوّف «من بناء خيم جديدة ضمن المخيمات القائمة، وزيادة الأعباء على البيئة المضيفة، ففي وقت كانت فيه البيئة الحاضنة تفتح أبوابها مع كل حركة نزوح، تغيّرت اليوم طريقة التعامل مع الملف ومع النازحين أيضاً، وهناك توقعات بارتفاع الأعداد يوماً بعد آخر، وعليه لا بد من التنسيق بين البلديات والأجهزة الأمنية لكي تتمكّن الأولى من تسليم النازحين المتسللين، ولا سيما إلى الأمن العام ليصار إلى ترحيلهم».