كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
لعله التوقيت في هذا “الزمن البائس” الذي يضفي على زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الجبل غدًا الجمعة طابعا مميزا، ويحول أنظار السياسيين والكنيسة في الداخل كما الفاتيكان والرأي العام الدولي نحو مشهدية جديدة قد تفتح أفقا جديدا.
في الموعد المحدد بالساعة التاسعة صباحا يصل البطريرك الراعي إلى الجبل ويزور أولا دارة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى في شانيه، ثم يتوجهان إلى دار المطرانية في بيت الدين، وسيكون في استقبالهما عدد من رؤساء البلديات والمخاتير والكهنة والأهالي وشخصيات سياسية وإجتماعية. وفي تمام الثانية عشرة إلا ربعاً، يتوجه الراعي إلى المكتبة الوطنية في بعقلين لإلقاء محاضرة بدعوة من لقاء الشوف الجامع، بعنوان “ثمار المصالحة… وآفاق المستقبل”، يشارك فيها الشيخ أبي المنى. وقد تولت مشيخة الدروز الدعوات من دون تدخل أي طرف آخر.
الغداء في المختارة على شرف الراعي سيكون له طعم خاص في هذه الزيارة خصوصا أن المقبلات ستكون من وحي عنوان الزيارة، أي “تثمير المصالحة وتثبيت البقاء”، على أن تستكمل بطبق الإنتخابات الرئاسية الساخن جدا، وذلك في تمام الواحدة . وفي السادسة يرأس الراعي ولفيف من الكهنة القداس الإحتفالي في مطرانية بيت الدين والذي سيقام لمناسبة عيد سيدة الخلاص شفيعة المطرانية . وقبل المغادرة يتناول الراعي مع الكهنة المعاونين حصرا العشاء الذي يقيمه النائب السابق نعمة طعمة على شرفهم في قصر المير أمين.
هذا في البروتوكول. اما في مضمون الزيارة فثمة من أراد أن يظهِّر مهندسها مطران أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمّار بعد زيارة قام بها إلى كليمنصو حيث استقبله رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور. وكانت سبقتها منذ حوالى الشهر زيارة قام بها شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى الى الديمان على رأس وفد من المجلس المذهبي ومشيخة العقل، والتقوا البطريرك الراعي للمساهمة أكثر في تثبيت أبناء الجبل في قراهم.
أيا تكن المشهدية التي ستكسر روتين الحلقة السياسية الضيقة وتخرج أربابها ومهندسيها من دائرة “الحوارات الفارغة المضمون” والإنزلاقات المحورية، إلا أنها حتما لن تكون نفسها كما في 3 آب 2001. 22 عاما مرت على ذاك الحدث الذي طبع في التاريخ صورة خروج البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير إبن الـ81 عاما آنذاك فجرا من مقر البطريركية المارونية في بكركي بعدما أدى صلاته في الكنيسة الصغيرة وأشرف على آخر التحضيرات لهذه الزيارة التاريخية.ولا يغبنَّ عن بال أحد أن موعد تلك الزيارة لم يكن الأول إذ تم تحديده أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يتأجل إلى أن جاء يوم”مصالحة الجبل”بين بطريرك الموارنة وزعيم الدروز وليد جنبلاط.
“زيارة الغد ليست تكريسا للمصالحة التاريخية التي جرت قبل 22 عاما إنما تثميرها لتثبيت الوجود المسيحي في الجبل والتلاقي مع إخواننا الدروز. وهي ليست المرة الأولى التي يزور فيها الراعي الجبل إذ سبقتها ثلاث زيارات خلال المدة الفاصلة من بينها الزيارة التي رعى في خلالها احتفال العودة الى بلدة بريح عام 2014 في عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان” يقول رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم .
أهمية تلك الزيارة التي أراد مهندسها المطران العمار أن تكون في عيد سيدة الخلاص شفيعة دارة المطرانية في بيت الدين، تكمن في أنها تأتي في هذه الظروف “البائسة” وهي تعطي بارقة أمل للبنانيين عموما وأبناء الجبل خصوصا من خلال مشهدية التلاقي بين الراعي والشيخ أبي المنى وفي ذلك قطع الطريق أمام كل محاولات تيئيس أبناء الجبل وتهجير الشباب المسيحي والدرزي من أرضه.
التلاقي بحسب الأب أبو كسم سيكون على مجموعة مشاريع مشتركة في الجبل من شأنها تشجيع الأهالي على الإستثمارات للحد من الهجرة الداخلية والخارجية . “وهذا الهم مشترك بين أبناء الطائفتين المسيحية والدرزية وبالتالي فتحُ أفق جديد أمام أبنائنا الذين هاجروا للعودة إلى أرض الجبل والإستثمار فيها”.
إلى مائدة المختارة سيكون الحضور مقتضبا “لأن الدعوة ضيقة” أما الحضور في قاعة المكتبة الوطنية في بعقلين فسيكون وفقا للدعوات التي تولاها مشايخ الدروز”. وتوضيحا لما أثير عن عدم شمول الزيارة دارة زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني النائب السابق طلال أرسلان يؤكد أبو كسم أن الراعي يلبي دعوة للمشاركة في محاضرة وترؤس قداس إحتفالي. أما بالنسبة إلى رئيس حزب التوحيد وئام وهاب فالأرجحية تذهب نحو عدم مشاركته “في النهاية هي ليست زيارة رعوية وإلا كان البرنامج مختلفا”.
في عناوين المحاضرة أكثر من رسالة “ماذا أثمرت المصالحة التاريخية بعد مرور 22 عاما وما هي الخطوات المطلوبة لترسيخ الوجود”. هل يعني ذلك أن باب الحوار سيفتح من بعقلين لكن على ضفة أخرى؟ يجيب أبو كسم: “وعلى ماذا سنتحاور؟ على ثمار المصالحة بين المسيحيين والدروز؟ المصالحة أنجزت باتت وراءنا والمطلوب تثبيتها وتفعيلها بمشاريع تساهم في ترسيخ البقاء في الجبل”. يختم أبو كسم.
فهل تؤسس زيارة تثمير مصالحة الجبل بعد 22 عاما لتحولات كبرى أم تبقى صفحات التاريخ مفتوحة على 3 آب 2001؟