كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
هذه المرّة، قد تحمل الدعوة إلى الحوار مغزى مختلفاً عن الدعوات السابقة. ففي الأوساط السياسية حديث عن «طبخة» سياسية قيد الإعداد، برعاية دولية وإقليمية، وسيتم تظهيرها في حوار الأيام السبعة.
في الأسابيع الأخيرة، طرأت معطيات ذات دلالات مهمّة في الملف الداخلي، وبالنسبة الى ما يتعلق بأزمة الفراغ في موقع الرئاسة.
فمنذ أن أطلقت مجموعة الخمسة في الدوحة، نداءها الأخير إلى إنجاز تسوية سريعة، وبعدما تعهدت فرنسا بإنجاز هذه التسوية في مهلة لا تتجاوز أيلول، دخل الجميع في حراك استباقي، إذ يعمل كل طرف على ضمان أكبر المكاسب في التسوية الموعودة.
ولعل التطور الأبرز في فترة التحضير لعودة الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت هو دخول الأميركيين إلى الساحة في شكل مباشر، من خلال عاموس هوكشتاين الذي ربط عملياً بين التسوية السياسية الداخلية ومسألة الأمن على الحدود جنوباً، أي إنه ربط الاستقرار السياسي الداخلي باستقرار أمن الطاقة والحدود وإسرائيل.
وهذا الربط يعني أن اللاعبين الذين سيديرون الصفقة في الداخل سيكونون هم أنفسهم الشركاء الأساسيين في الصفقة على الحدود. وفي المنظار الأميركي، يجب أن تراعي التسوية استقرار لبنان والمنطقة ككل، أي استقرار الداخل اللبناني والحدود في آن معاً.
وفق هذه المعطيات، يمكن أن تنجح مهمة لودريان حصراً إذا كان التوافق قد تم خلال زيارة هوكشتاين على سلة كاملة، أي على رئيس للجمهورية وحكومة في الداخل وعلى ضوابط لاستقرار الحدود والنفط جنوباً. فهل حصل هذا التوافق فعلاً بين واشنطن و»حزب الله»، أي طهران التي كان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان موجوداً في بيروت خلال زيارة الوسيط الأميركي؟
إذا كان هذا التوافق قد حصل فعلاً، فستظهر انعكاساته على الأرض. وثمة من يعتقد أن دعوة الرئيس نبيه بري العاجلة إلى الحوار المضبوط زمنياً، قد تكون نتيجة للتفاهم الإقليمي والدولي على التسوية.
بل إن مسارعة العديد من القوى التي كانت تصنَّف «مترددة» أو «معترضة»، كـ»التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي، إضافة إلى بكركي، إلى إعلان موافقتها على الحوار، ما كانت لتحصل على الأرجح لولا تغطيتها بتوافقات إقليمية ودولية.
وثمة من يعتقد أن الاستنفار الذي عمدت إليه قوى المعارضة المسيحية كـ»القوات اللبنانية» والكتائب له ما يبرّره. فهذه القوى باتت متوجّسة من أن الحوار سينتهي بانتخاب المرشح الرئاسي الذي يدعمه «حزب الله» وحلفاؤه، بعدما بات الفريق المؤيد للحوار يمتلك غالبية الثلثين القادرة في المجلس النيابي على تأمين النصاب وإنجاز عملية انتخاب الرئيس.
ربما تمّت حلحلة «العقدة المسيحية». ووافق رئيس «التيار» جبران باسيل على المشاركة في الحوار. والأرجح أنه سيحصل على الثمن مكاسب سياسية وشخصية في العهد الرئاسي المقبل وما بعده. كما أن بكركي أعلنت تأييدها مبدأ الحوار. ولم يبق خارجه الآن سوى «القوات اللبنانية» والكتائب. ومع «التيار» وبكركي، باتت التغطية الميثاقية متوافرة لعقد طاولة الحوار وانتخاب الرئيس.
وهناك انطباع في أوساط المعارضة المسيحية بأن «الصفقة المصلحية» واقعة حتماً بين باسيل و»حزب الله»، في اللحظة المناسبة. وعلى هذا الأساس، يطمئنّ الرئيس بري إلى أن طاولة الحوار التي سيعقدها على وشك أن تحظى بغالبية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي. وبراعة رئيس المجلس تكمن في حصر لعبة الحوار بسبعة أيام فقط. فبعدها سيكون المشاركون أمام مسؤولياتهم لانتخاب رئيس الجمهورية الذي تم الاتفاق عليه.
ويعتقد البعض، داخل المعارضة المسيحية، أن توجيه الأنظار نحو مسألة النازحين السوريين في شكل مفاجئ، والتركيز السياسي والإعلامي عليها، ليسا بريئين، وأن هناك هدفين أساسيين لذلك:
الأول هو دفع السلطة في لبنان إلى الاتصال المباشر بحكومة دمشق، والدخول في مفاوضات معها لا تنتهي.
والثاني هو تبرير انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة يتمتعان بعلاقات وطيدة مع دمشق، لأنّ ملف النازحين ومصالح لبنان العليا تستدعي ذلك.
هذا الاتجاه نحو التسوية السياسية في الداخل يلاقيه جهد مماثل لإقرار ترتيبات على مستوى النقد والمال، يتولاها حاكم مصرف بالإنابة وسيم منصوري، القريب من بري، والعائد من مشاورات مع المملكة العربية السعودية، فيما بدأ صندوق النقد الدولي عملية جسّ نبض جديدة لاستعدادات الإصلاح.
وفي الخلاصة، هناك انطباع بأنّ بري لم يطلق الدعوة إلى الحوار عبثاً هذه المرة، وأنه باشَر التحضير له بناء على كلمة سرّ إقليمية – دولية. ولذلك، هناك فرصة حقيقية أمام هذا الحوار كي ينتج تسوية سياسية في الداخل، هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. ولكن، على الأرجح، ستواكب هذه التسوية الداخلية تفاهمات ضمنية ذات أبعاد إقليمية ودولية، تتعلق بموارد الغاز وأمن الطاقة في شرق المتوسط وأمن الحدود الجنوبية. وستتظَهر علاماتها يوماً بعد يوم.