كتبت رماح الهاشم في “نداء الوطن”:
قليلة هي البيوت اللبنانية التي لم تستقدم عاملة منزلية من الخارج في الفترة التي سبقت الأزمة الإقتصادية، حتى أن كافة الموظفين استقدموا عاملات على اعتبار أن مبلغ 200 دولار بالشهر لن يؤثر عليها عندما كانت الرواتب سخية لا سيما بعد اقرار سلسلة الرتب والرواتب في 2016/2017.
ولكن الأزمة الإقتصادية عرّت أكثرية الأسر من المظاهر المبهرة من ضمنها العاملة المنزلية، واضطر كثيرون للإستغناء عنها، فكيف أصبحت الحال اليوم؟ هل ما زال وضع القطاع مأزوماً أم أنه بدأ بالتعافي؟
وماذا عن ظاهرة هروب العاملات من منازل مخدوميهن وكيف يتعامل الأمن العام مع الفارّات؟
أرقام وزارة العمل
وتشير أرقام وزارة العمل بهذا الصدد، إلى تراجع كبير في أعداد العاملات المنزليات مع بداية الأزمة، إلّا أن الوضع بدأ بالتعافي منذ العام الماضي، إلّا أنه بقي أدنى من العدد الذي سجل في العام 2018 أي قبل الأزمة بعام. ووفق أرقام وزارة العمل، في العام 2018 بلغ العدد حوالى 90 ألفاً، ليعود وينخفض في العام 2019 إلى 50 ألفاً.
أما في العام 2020 وفي عز الأزمة الإقتصادية وانتشار وباء كورونا فقد انخفض العدد بشكل كبير ووصل الى رقم صادم هو 8600، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً فعاد العام 2021 ليشهد إرتفاعاً دراماتيكياً ووصل العدد في ذاك العام إلى 28 ألفاً، واستمر الصعود بنسبة أعلى في العام 2022 بحيث وصل إلى 40 ألفاً. ونسبة الارتفاع بين 2020 و2022 نحو365%.
أما في ما يتعلق بالعام الحالي أي العام 2023 فلغاية اليوم يبلغ العدد حوالى 26 ألفاً وأكثرهم من أثيوبيا.
أرقام الأمن العام
لكن أرقام الوزارة تختلف عن الأرقام التي حصلت عليها «نداء الوطن» من مصادرها في الأمن العام حيث بيّنت هذه الأرقام فرقاً كبيراً من حيث العدد في كل عام:
2020: 4810
2021: 18157
2022: 32077
2023: 18753 (حتى يومنا هذا).
ونسبة الارتفاع بين 2020 و2023 نحو 420%
تؤكد المصادر الأمنية لصحيفة «نداء الوطن»، أن «العاملة لا تحصل على إقامة على الأراضي اللبنانية، إلا بعد حصولها على إذن عمل من وزارة العمل».
إزدياد ظاهرة الفرار
وعن ظاهرة الفرار، تؤكد أن حالات الفرار كثيرة، وتتحدث هنا عن «الإختلاف بموضوع الفرار، فلا يمكن مثلاً التأكد من أن العاملة فرت بالتنسيق مع المكتب الذي استقدمها إلّا بعد القبض عليها والتحقيق معها، فليست كل حالات الفرار متشابهة، فهناك من تفرّ بالتنسيق مع عاملات أخريات».
وعن أعداد الهاربين، توضح أنه «ليس هناك أرقام نهائية على اعتبار أن الفارات يُمكن ألّا يتم القبض عليهن لعدة سنوات أو يتم مباشرة بعد فرارهم، كما أن هناك حالات لا يمكن إلقاء القبض عليهن بسبب التنقل الدائم الذي يقمن به من منطقة الى أخرى».
من يتكفل بترحيلهن؟
وعن كيفية ترحيل العاملة التي يتم ضبطها وتوقيفها؟ تشير المصادر إلى أن»كل حالة تختلف عن الأخرى. فهناك من ترحل على حساب الكفيل، وبعضهن يقوم كفيلهن بالتهرب من دفع تكلفة سفرهن فذلك يعود إلى الكفيل كيف يتصرف. وهناك عاملات تتدخل سفاراتهن وبالتنسيق مع الأمن العام يتم ترحيلهن، وأحيانا تتكفل جمعيات الـ «NGOS» بذلك، وتوضح أنه «خلال الأزمة الإقتصادية وما تلاها في فترة كورونا كثرت حالات ترحيل العاملات بسبب الضائقة المالية، حتى إن بعض الكفلاء كانوا يضعون العاملات أمام سفارات بلدهن».
وأين يجري التحقيق مع الفارات، تشرح المصادر كيفية ذلك، حيث يجري التحقيق معهن في دائرة التحقيق التابعة لمكتب شؤون العمليات في المديرية العامة للأمن العام، ولا يُفتح أي ملف تحقيق إلا بإشارة النيابة العامة. وبعد إنتهاء التحقيق يختم الملف أيضا بإشارة النيابة العامة، وفي حال كان هناك حكم قضائي بحق الموقوفة كالسرقة مثلًا يُحول الملف إلى القضاء لتنفيذ الحكم القضائي، وأما في حال لم يثبت وجود أي حكم بحقها فيترك أمر البت بإقامتها للمدير العام للأمن العام، وهو وحده من يقرر».
رواية مختلفة
ولمكاتب إستقدام العاملات رواية مختلفة عن هذا الأمر، فيشير رئيس نقابة أصحاب مكاتب إستقدام العاملات في الخدمة المنزلية جوزف صليبا إلى أن «نسبة الإستقدام من الخارج اليوم لا تزال بعيدة عن الأرقام التي كانت عليه قبل الأزمة».
ويستشهد «بأرقام وزارة العمل والتي هي المؤشر والتي تستند اليها المكاتب. حيث كان المعدل السنوي لعدد العاملات المستقدمات يقارب ما بين 90 والـ 100 ألف في العام، لكن العام الحالي مثلاً من المرجح أنه سينتهي بحدود الـ 25 ألفاً، ما يعني ثلت او ربع النسبة التي كانت تسجل سابقًا».
الإستقدام انحسر بالميسورين والحالات الخاصة
ويقول لـ «نداء الوطن»: «هذا الموضوع سببه المباشر الوضع الإقتصادي الصعب الذي لم يعد كالسابق والذي أثر على الطبقة الوسطى والتي كانت هي أساس عملنا وقد خسرناها. فيما بقي فقط الميسورون الذين يستقدمون من الخارج والذين لديهم حالات صعبة ببيوتهم كالأهل الكبار في السن وحالات خاصة، أو من يحوّل لأهله المال من الخارج وبخاصة في ظل غياب الدولة عن المواضيع التي لها علاقة بالإهتمام بكبار السن والخدمات التي من الممكن أن يتلقاها الشخص الذي لديه إعاقة»، ويضيف «الأكيد أن التراجع ليس كبداية الأزمة فالأمور تحسنت عن بداية الأزمة، ففي البداية كان الأمر مدمراً ولكنه عاد ليتحسن إلا أننا ما زلنا بعيدين عن الوضع الذي كنا عليه».
إثيوبيا وكينيا وسيراليون
وفي موضوع الجنسيات التي يتم استقدامها، يوضح أن «بأغلبها أفريقية، والكلفة بالفريش دولار. فكل عملنا له علاقة بالدولار الأميركي الذي يتم تحويله الى الخارج، فمعاملة الإستقدام تتألف من تذاكر سفر وجوازات سفر ونحن نتكلف عليها للعملاء بالخارج، فهناك الكلفة التي يأخذها العميل بالخارج وثمن الفحوصات الطبية وتنقلاتها بالخارج، وتكلفة العاملة اليوم تتراوح ما بين 2000 دولار وصولاً إلى 5000 دولار حسب الجنسيات، والأكثر إستقداماً هن من كينيا وإثيوبيا وسيراليون».
سماسرة
وعن صحة ما يشاع حول التنسيق بموضوع الفرار بين العاملين والمكتب يرفض هذه التهمة، ويقول: «لا شيء اسمه فرار بالتنسيق مع المكاتب. فهذه الظاهرة تتعلق ببعض السماسرة الذين يتعدون على هذا القطاع ويسمون أنفسهم مكاتب»، ويوضح أن «المكتب يجب أن يمتلك رخصة ليكون شرعياً وجدياً ومسؤولاً وأن يكون منتسباً للنقابة، فعندما يكون شرعياً ومنتسباً للنقابة لا يتواصل مع عاملة، وإذا إكتشف الأمر عن تورط أي مكتب بأمر مماثل فوزارة العمل بالمرصاد لإلغاء الرخصة»، ويلفت إلى أن «وزير العمل جدي بموضوع المحاسبة والمراقبة، وأي خطأ يؤدي مباشرة الى إقفال المكتب وإلغاء ترخيصه وهناك الكثير من الرخص التي ألغيت بسبب أخطاء أقل بكثير من ذلك».
إتجار بالبشر
ويتابع، «هؤلاء ليسوا مكاتب بل سماسرة يستقدمون العاملات وينسقون معهن ويتحولون إلى شبكات تشغيل شهري وسرقة وغش للناس من خلال أخذ دفعة أولى. وبالتنسيق مع الخادمة تذهب وتبقى في منزل الكفيل لمدة أسبوع تقريباً، وبالإتفاق مع صاحب المكتب تهرب من المنزل، وعند مراجعة الكفيل صاحب المكتب أو الإتصال به يغلق هاتفه ولا يرد».
ويختم: «فهذا الموضوع موجود ولكن هنا العمل هو من مسؤولية الدولة التي يجب أن تحاسبهم. فما يقومون به تصح تسميته الإتجار بالبشر وإستغلال العاملات، وحتى أن بعض العاملات محترفات فهن ينسقن مع عاملات أخريات من أجل إستدراجهن للعمل في الخارج، حيث يعتقدن أن العمل بأجر شهري أو على الساعة مربح أكثر، لكنهن لا يحظين بالحماية ولا بالأوراق القانونية اذ لا تأمين صحياً لديهن أو مراقبة لوضعهن الصحي».