كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ساعتين من الوقت إستغرق الإجتماع الأول للّجنة المشتركة بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» الخاصة بالبحث في ملف اللامركزية الإدارية. تتألف اللجنة من النائب علي فياض ورئيس «المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق» عبد الحليم فضل الله عن «حزب الله»، والنائب آلان عون ومستشار رئيس «التيار الوطني» أنطوان قسطنطين والمحامي طوني عبود.
إنّ اللجنة المعنية بملف اللامركزية الإدارية، كما اللجنة المعنية بملف الصندوق الائتماني، لا علاقة لهما بالموضوع السياسي الرئاسي ولا تفاوض بين أعضائهما في الشأن الرئاسي الذي يدخل من ضمن المعادلة السياسية التي يقودها فقط رئيس «التيار الوطني الحر». بمعنى أنّ اللجنة تخوض المفاوضات ببعدها التقني، أمّا استعمال الملفين «في الحوار مع «حزب الله» فمن اختصاص رئيس «التيار» وقيادة «حزب الله».
عبّرت أوساط المجتمعين عن أنّ الأجواء إيجابية إجمالاً، إذ عرض «حزب الله» هواجسه وتساؤلاته عن موضوع اللامركزية الذي سبق وتمّ بحثه في مجلس النواب عام 2011 في عهد الرئيس ميشال سليمان، ولم يقرّ. ثم أضاف «التيار» تعديلات عليه ووضعه للنقاش مع «الحزب» في سياق الحوار الرئاسي الذي انطلق قبل مدّة بين الحليفين. هذان الموضوعان يشكّلان «برنامج عمل «التيار» للعهد المقبل»، وهما يصبّان في إطار ما يسمّيه «بناء الدولة وإصلاح النظام ومكافحة الفساد»، وينظر إليهما «بالمستوى نفسه لنضالاته الماضية من أجل تحرير لبنان من الوصاية».
اتّفق الجانبان على الاستعانة، لقضاء غايتهما، بالكتمان، فتحفّظا عن الاستفاضة في تفاصيل بحثهما الأول، وإن أكّدا «وجود إيجابية لا تخلو من الهواجس وأنّ البحث لا يزال في بداياته».
تقول مصادر التيار «سواء اتفقنا على الموضوع الرئاسي أم لم نتفق فهذه مواضيع تناقش ببعدها الإصلاحي الوطني وطبعاً التقني، وهي وضعت على طاولة البحث ولن تسحب من التداول، ويعتبرها «التيار» بمثابة مواضيع نضاله السياسي للمرحلة المقبلة بغضّ النظر عمّا إذا كان سيتساهل باسم الرئيس المقبل».
تقع اللامركزية والصندوق الائتماني في صلب برنامج «التيار» ورئيسه الذاهب الى ولاية جديدة في 17 الجاري، إضافة إلى ما يسمّى «النفضة» داخل «التيار»، إذا صحّ التعبير، أي تطوير عمل مؤسّساته وتفعيل المحاسبة، لذلك تعتبرها المصادر «مرحلة جديدة من النضال السياسي تحت عنوان بناء الدولة، وهي بهذا المعنى استكمال لنضال الرئيس ميشال عون منذ 2005».
وتتابع قائلة «إذا كانت المرحلة من 1990 إلى 2005 شهدت نضالاً من أجل السيادة والحرية والاستقلال، فإن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة نضال باسيل ورفاقه لتحقيق ما لم يتحقّق في السنوات الماضية، وما كان اسمه البند الرابع في تفاهم مار مخايل أي بناء الدولة والإصلاح والتغيير، صار اسمه اليوم جزئياً النظام الإداري والإنقاذ المالي والاقتصادي وهذا كله تحت سقف الطائف».
بهذه الروحية يقود «التيار» المفاوضات التي وإن كانت نقاشاً تقنياً، لكن مراميها سياسية إصلاحية بامتياز من خلال فحوى النقاش الذي خاضه الجانبان، «وبغضّ النظر عمّا إذا كانت المفاوضات ستؤدي إلى نتائج سريعة فإنّ النقاش بدأ وسيستمرّ مع آخرين، ولن يقفل».
ويعتبر «التيار» أنّ «التمسّك بوحدة الدولة مسألة مبدئية، كذلك التمسّك بإصلاحها، ولا يمكن أن تكون المحاصصة مبرّر وحدة الدولة، ولن نرضى بذلك، كما لن نرضى باستمرار الفساد»، محدّداً بذلك «الإطار السياسي للتفاوض في المرحلة المقبلة لتحقيق البرنامج المحدّد في ولاية باسيل للسنوات الأربع المقبلة: تمسّك بوحدة الدولة وإصلاحها وتطويرها وتطوير ما يمكن تطويره بالاتفاق مع اللبنانيين، يضاف إلى ذلك أنّ «التيار» يتطلّع إلى اتفاق لبناني لتحقيق المشرقية الاقتصادية أي برنامج الشراكة الاقتصادية تحت سقف الدستور والسيادة مع كل من سوريا والعراق والأردن وصولاً إلى التكامل الاقتصادي».
قال باسيل «بدكم رئيس اعطونا اللامركزية والصندوق»، وانطلقت المفاوضات مع «حزب الله». خلال الجلسة الأولى طرحت رؤية كاملة لمفهوم اللامركزية من الجانبين «كان لقاء لتبادل الأفكار أو لتبادل الرؤية حول مفهوم اللامركزية كل من جهته».
بالاستنتاج الأول للتيار، «كانت جلسة مفيدة وتبشّر بعمل جدّي ولكنه لا يخلو من الصعوبات»، أما «الحزب» فطرح علامات استفهام كثيرة وعبّر عن هواجس أخذت حيزاً من النقاش، يتمنّى التيار «أن نكون بدّدناها».
ويبحث الجانبان في أن «نتفق على مشروع موحّد نقتنع به كطرفين وندافع عنه معاً، وعن قناعة وليس عن مقايضة». هو «ليس مشروع ترضية، بل هدفنا أن نتوصّل إلى مشروع صادر عن قناعة مشتركة لنقول إنّ اللامركزية الإدارية ضرورة وحاجة للبنان كي يطوّر إنمائياً مناطقه ويطوّر نظام الشفافية في الإنفاق، لذلك هي لامركزية إدارية موسّعة».
كلّها نقاط ومفردات يتمّ بحثها «بشكل صريح وعلمي»، لمعالجة كل الهواجس «خصوصاً تلك المتّصلة بحدود الاستقلالية والأمن انطلاقاً من مشروع بارود لكي يصبح مشروع شراكة ندافع عنه معاً». هذا المشروع الذي يعتبره «التيار» «ضرورة وحاجة خاصة بعد الانهيار وليس مرتبطاً بالرئاسة، وإلا هناك مشكلة» ولذا قال رئيسه «من الأفضل أن يتمّ بحبّ ورضى».
يدرك الطرفان «أنّ ما سنتّفق عليه وندافع عنه ليس رحلة سهلة لا بالتوصل إليه ولا بإقناع الآخرين في مجلس النواب في شأنه لاحقاً». هو»ليس ورقة تفاهم بينهما، بل ورقة عمل لإقناع النواب في المجلس، وهنا مكمن الصعوبة».
خلال الجلسة حرص «التيار» على أن يؤكّد «أنّ هذا المطلب ليس مطلباً مسيحياً، وإن ظهر كذلك من 30 سنة، بل هو مطلب إصلاحي». وحاول خلال النقاش «طمأنة الحزب «أننا لسنا سعاة مشاريع استقلالية ضمن الوطن، بل أصحاب مشروع نظام إصلاحي لامركزي في دولة موحّدة ومستقلة. ومن الخطأ اعتبار المطلب وكأنه مطلب مسيحي مرفوض من المسلمين أو لا يشكّل حاجة لهم».
يعتبر «التيار» وهذا ما أبلغه الى وفد «الحزب» أنّ «اللامركزية الإنمائية لا يمكن أن تتمّ من دون وسائل مالية، ولذلك هي لامركزية موسّعة، أمّا النسب فهي موضع نقاش، والحزب مقتنع بهذه النقطة، كما أكد أنّ سعيه إلى اللامركزية يندرج في صلب تطبيق الطائف وليس خروجاً عنه».
ومن الأسئلة التي طرحت خلال الجلسة «هل المركزية المعتمدة منذ الاستقلال لليوم حقّقت الإنماء العادل والمتوازن في المناطق؟ من وجهة نظر التيار «لقد فشل النظام المركزي في تحقيق الإنماء المتوازن والعدالة الاجتماعية»، ولذلك يعتبر «اللامركزية المدخل الأساسي لتحقيق الإنماء المتوازن الذي نصّ عليه الطائف»، لكنه يوضح أنّ «اللامركزية الإدارية لا تعني أبداً اللامركزية السياسية أو الفدرالية أو القيام بفرز مناطقي وتمايز مناطقي أو تقسيم، بل هي نموذج لتعميم الإنماء المتوازن بين المناطق والتنافس على ما هو أفضل ضمن التكامل».
إنتهى الاجتماع بالاتفاق على عقد جلسة للجنة أسبوعياً على أن يعرض «حزب الله» تصوّره للمشروع ويبدأ النقاش بالتفاصيل.