كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
يكشف تعاطي الاطراف السياسية كافة، مع أزمة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، هشاشة بالغة في الاداء السياسي وعنجهية وانانية مقيتة، تزيد من حدة الانقسام والخصومة السياسية، وتراكم الخلافات وتعقيدات الازمة وتداعياتها الماساوية، بدل طرح المبادرات والافكار البناءة، التي تقرب بين هذه الاطراف، وتؤدي في النهاية للخروج من هذه الازمة الضاغطة وانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
يتصرف كل طرف، بما يتلاءم مع الحفاظ على مصالحه الخاصة، ويبذل مافي وسعه للتشبث بمراكز نفوذه ومواقعه السياسية، وتسلطه على المؤسسات الحكومية والخاصة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وكأن المشاكل والقضايا المهمة والضاغطة التي تواجه الوطن على كثرتها، وقد باتت ترهق المواطنين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، لاتتطلب التنازل الجزئي، او تحقيق التقارب مع الأطراف الاخرين، لايجاد الحلول المطلوبة لها.
فاذا كانت تداعيات كارثة الانهيار المالي والاقتصادي التي قلصت قدرة اللبنانيين المعيشية إلى الحضيض، وباتت تستوجب اهتماما استثنائيا خاصا، او أزمة اللاجئين السوريين الاساسية والمتجددة التي اصبحت تهدد تركيبة لبنان الديموغرافية وتؤثر على مستقبله، او اندلاع احداث مخيم عين الحلوة، بتشابكاتها وارتباط المشاركين فيها بمصالح خارجية، لاتستوجب تغيير السلوكيات والممارسات السياسية وسبل التعاطي التي كانت سائدة بين الاطراف السياسيين، وباتت تتطلب انتهاج اساليب جديدة، أكثر انفتاحا، تاخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تهدد مستقبل لبنان واستقراره ووحدته، وتقدم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الضيقة لمعظم الاطراف او الخارجية لبعضهم الاخر، فهذا يعني الاستمرار بالدوران في حلقة الخلاف المفرغة التي دخل لبنان فيها، جراء الأداء السياسي السيء.
وانطلاقا من هذا الواقع الماساوي الذي يعيشه لبنان، والذي يجسده العديد من الاطراف السياسيين، بممارساتهم اليومية، ان كان بتكرارأساليب تعطيل المؤسسات، كما حصل بامعان وزراء المحسوبين على التيارالوطني الحر في مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، وقبلها تعطيل جلسات مجلس النواب التشريعية مع اطراف اخرين، تارة من باب النكايات السياسية، وتارة اخرى من قبيل المزايدات الشعبوية، باتت آفاق التجاوب مع المساعي والجهود المبذولة من الخارج، ولاسيما المهمة التي يقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي ايف لودريان لمساعدة الاطراف السياسيين على تجاوز الصعوبات والعوائق التي تعترض حل ازمة الانتخابات الرئاسية ومتفرعاتها، محكومة بهذا الواقع الانقسامي المستفحل والاداء السياس المتردي، والانانية المصلحية التي تتحكم بسلوكيات معظم الطبقة السياسية، مايؤدي في النتيجة إلى صعوبة تقارب الاستحالة، بتجاوب هذه الاطراف مع متطلبات هذه المهمة، التي باتت تواجه طريقا مسدودا، في ضوء الاعتراضات المسبقة التي ووجهت بها من قبل مجمل الاطراف المذكورة.
وفي الخلاصة، تؤشر مواقف الاطراف السياسيين في مقاربة مهمة الموفد الفرنسي، بأن أزمة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية قد تكون طويلة، اذا استمرت مواقف الاطراف السياسيين على حالها، وكل طرف يتصرف استنادا لمصلحته الخاصة، وكأنه في جزيرة منعزلة عن بقية مكونات الوطن، وبمعزل عن وجود ضغوط قوية وفاعلة من الخارج تواكب مهمة لودريان على المعطلين، وهي ليست موجودة حتى الساعة.