كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
كأنّه لا يكفي لبنان كل الويلات التي تنهمر عليه «كجُلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من علِ»، حتى يتنطّح وزير الدفاع في الكيان الصهيوني يوآف غالانت، فيدّعي أنّه يكشف عن «قاعدة إيرانية» في مطار بجنوب لبنان على بُعد 20 كيلومتراً فقط من الحدود مع إسرائيل.
ويؤكد وزير العدوّ مشاهدته العلم الإيراني يرفرف على مدارج المطار، ليضيف أنّ النظام الإيراني «يستغلّ المطار للتآمر ضد إسرائيل»، وأنّ «الأرض لبنانية، لكن السيطرة إيرانية، والهدف هو إسرائيل».
ويكذب بالتأكيد هذا الوزير، فإذا كان ثمة مطار لأغراض حربية، فلن يكون مكشوفاً على بعد 20 كيلومتراً عن حدود فلسطين المحتلة، ولن يرفرف فوقه علم وكأنّه يلوّح للطائرات حتى تقصفه. الأمور لا تجري على هذا المنوال. فلو أنّ مطاراً يشكّل خطراً على إسرائيل، حيث أشار، لكان قُصِفَ من دون إعلان أو تمهيد وتحضير نفسي، تماماً كما يتمّ قصف مطارات ومواقع في سوريا على مدار الأيام، عادة ما تكون مخازن أسلحة لإيران أو ما إلى ذلك، ومن دون أي خوف من الردّ المناسب في التوقيت المناسب.
وأيضاً، كما تم تفجير مرفأ بيروت، ولم تتوفر أي صورة من أي قمر صناعي لتكشف المسؤول عن هذه الجريمة التي بدأت تتوضّح أهدافها المندرجة ضمن القضاء على خط المرافئ والمصارف وممرّات التجارة، وعلى احتمال دور للعاصمة اللبنانية في مشاريع بدأت تتبلور ملامحها من الهند إلى حيفا مع الطريق الاقتصادي الجديد الذي أعلن عنه على هامش قمة مجموعة العشرين.
بالتالي، إذا كان هناك مطار على أرض لبنانية وبسيطرة إيرانية، فلا يكون استهداف إسرائيل سبباً لوجوده. فالممانعون الأشاوس من رأس هرم المحور حتى قاعدته، لطالما صرَّحوا ويُصرِّحون عن قدراتهم العجائبية لإزالة هذا الكيان المغتصب من الوجود خلال دقائق بمطار أو من دونه. ولكنّ الحاجة إلى هذا الكيان تتطلّب التضحية من خلال الإبقاء عليه، لأنّه وببساطة يخدم الأهداف الإيرانية التوسعية في المنطقة، ويسمح باستخدام القضية الفلسطينية قميص عثمان.
فرأس محور الممانعة الإيراني الذي يكتفي بأن يُصوِّب كلامياً على إسرائيل، يسرح ويمرح في ساحات تلبّي مشاريعه التخريبية من العراق إلى اليمن إلى سوريا إلى لبنان، ويخدم إسرائيل أكثر ممّا يخدمها أي حليف، ويؤذي الشعوب الواقعة تحت سيطرته أكثر مما يؤذيها الشيطان الأصغر، على اعتبار أنّ الولايات المتحدة أفرجت لإيران عن مليارات من الدولارات مقابل رهائن أميركيين تحتجزهم، وبكل فخر.
كذب وزير الدفاع الإسرائيلي، لأنّ ما يجري في مخيم عين الحلوة يعكس تقاطع المصالح بين أهداف بلده وبين إيران من خلال المساهمة باختراق السلاح الفلسطيني. ومعروف أنّ إيران كانت تسهّل للمتطرفين الدخول والخروج من وإلى لبنان، وتحميهم. والسبب أنّهم يحاربون الشيطان الأكبر، ومخيّم «عين الحلوة» تحوَّل بفعل هذا الواقع مأوى للعناصر المطلوبة وساحة لتصفية الحسابات، وصندوقاً لتبادل الرسائل، ومن دون أن يشكّل كل ما يجري تهديداً إلا للقضية الفلسطينية وللأمن والسيادة اللبنانيين.
وقمّة الكذب في هذا الكشف تبرزه الوقائع التي تعكس تقاطع المصالح، والتي شهدها لبنان كترسيم الحدود البحرية بصفقة أقلّ ما يقال فيها إنّها ترتقي إلى مستوى الاتفاق وفق المعايير الدولية وتنسحب عليها مقوّمات الاعتراف بدولة إسرائيل. هذا مع توقّعات بأن تستكمل المسيرة مع بوادر اتفاق على ترسيم (عفواً تحديد) الحدود اللبنانية بصفقة مشابهة يحضر سيناريواتها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، واعداً نفسه في الزيارة المقبلة بـ»صحن تبولة وكأس عرق»، ومع التبريكات الملائمة عندما تنضج الصفقات.