كتب منير الربيع في “المدن”:
سلبية هي التوقعات من النتائج التي ستحققها زيارة المعبوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت. تأتي زيارة المبعث الفرنسي على بعد أيام من اجتماع ممثلي الدول الخمس في نيويورك لمناقشة الملف اللبناني. كما تأتي على مسافة أيام من تسلمه لمهامه في المملكة العربية السعودية كرئيس لهيئة تطوير العلا، ما سيؤدي إلى تراجع اهتمام الرجل بلبنان وتفاصيله.
بعض اللبنانيين يعتبرون أن زيارة المبعوث الفرنسي قد تكون الأخيرة، خصوصاً في حال لم يلمس أي إمكانية للتوافق أو لتحقيق نتائج ملموسة. سيبقى لودريان في بيروت حتى يوم الجمعة المقبل، يلتقي مختلف الكتل النيابية، بالإضافة إلى لقائه بالبطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
الحوار.. الحوار
سيركز لودريان على عقد لقاءاته الثنائية مع الكتل النيابية، وهو شدد في لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي على ضرورة ترتيب حوار بين مختلف المكونات للاتفاق على إنجاز الملف الرئاسي. بدا المسؤول الفرنسي متطابقاً في وجهة نظره مع طرح رئيس مجلس النواب، وهو اعتبر أن ما طرحه برّي هو المبادرة الأساسية التي يمكن البناء عليها، وقد أكّد لودريان بعد لقائه ميقاتي أنّه: “آتٍ إلى لبنان لإكمال مهمّتي”، ولن يبدي رأيه قبل استكمال الاتصالات واللّقاءات الّتي سيقوم بها. وأعرب عن أمله في أن “تكون المبادرة الّتي أعلن عنها رئيس مجلس النّواب نبيه برّي، بداية مسار الحل”. أما بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فقد نقلت مصادره أن لودريان توجه لبرّي بالقول مباشرة: “ندعم مبادرتكم الحوارية ونقول الحوار ثم الحوار ثم الحوار”.
لم يحمل لودريان، حسب مصادر من التقوه، أي طرح جديد. ولم يتحدث بالأسماء، إنما شدد على ضرورة توافق اللبنانيين لانتخاب الرئيس. لكنه أشار بشكل واضح إلى أن المساعي لم تنجح حتى الآن في توفير التوافق المطلوب للمبادرة الفرنسية. بمعنى آخر، حسب ما تقول مصادر المعارضة، فإن لودريان كان واضحاً بأن طريق سليمان فرنجية غير معبّدة. أما مصادر قريبة من الثنائي الشيعي، فتعتبر أن لودريان لم يطلق أي تقييمات، إنما شدد على ضرورة التوافق. وهذا لا يعني تخلياً عن المبادرة الفرنسية.
ويسعى لودريان إلى إقناع قوى المعارضة بالذهاب إلى الحوار، فيما المعارضون يرفضون ذلك ويشددون على ضرورة الذهاب إلى جلسات انتخابية متتالية، لأنه لا داع للحوار.
المعارضة مستمرة
لا يزال لودريان يدرس مع غالبية الكتل استئناف دعوته إلى حوار موسع لهم في قصر الصنوبر، لكنه لم يصل إلى أجوبة نهائية. وفي حال لم يوافق المعارضون فلا يمكن عقد هذا الحوار.. لتبقى مبادرة لودريان كما مبادرة برّي معلقتين.
قبيل مجيئه إلى بيروت التقى لودريان بالمستشار في رئاسة الوزراء السعودية والمسؤول عن الملف اللبناني، نزار العلولا، والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري. وقد كان اللقاء بناء على طلب الفرنسي في سبيل تنسيق المواقف والتشديد على الشراكة مع السعودية والدول الخمس، وقد كرر لودريان أمام السعوديين أن فرنسا لا تتمسك بترشيح أي شخصية، إنما غايتها الوصول إلى توافق على انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة.
في الموازاة أيضاً، شهدت العاصمة الفرنسية باريس لقاءات للعولا والبخاري مع النائبين وائل أبو فاعور عن الحزب التقدمي الإشتراكي وملحم الرياشي عن القوات اللبنانية، أيضاً للبحث في التطورات وتنسيق المواقف. وحسب المعلومات، فإن أبو فاعور قد وضع السعوديين في ضوء التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية، وتعذر انعقاد الحوار بسبب رفض القوى المعارضة له. أما الرياشي فقد جدد موقف القوات اللبنانية برفض الحوار، وبضرورة السعي للوصول إلى انتخاب رئيس وسطي غير محسب على أي طرف، متمسكاً بالموقف الرافض لانتخاب سليمان فرنجية.
الحرج الفرنسي
بناء على كل هذه اللقاءات، تتكون وجهات نظر متضاربة حول فحواها ونتائجها. فهناك من يعتبر في لبنان أن فرنسا لا تزال عند موقفها ومبادرتها، ولا تزال ترى الخيار الواقعي هو بانتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، واختيار رئيس للحكومة محسوباً على الطرف الآخر. فيما جهات أخرى تعتبر أن زيارة لودريان ستعني بالمضمون انسداد الطريق أمام ترشيح فرنجية، حتى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك. لكن النتيجة ستكون واضحة للقوى السياسية، وهو ما يفترض أن يدفعها للبحث عن خيارات بديلة. في كلا الحالتين، لا يخفى الحرج الفرنسي، أولاً حول عدم نجاح المبادرة، وثانياً، حول عدم القدرة على التراجع عنها، أو التقدم بطرح جديد، في ظل الانقسامات الحادة التي تعيشها الساحة اللبنانية.
مصير فرنجية.. وقائد الجيش
هذا الواقع، يدفع مسؤولين لبنانيين إلى التوقع بأن تطوى صفحة سليمان فرنجية، في ظل عدم القدرة على انتخابه، وتوفير الأصوات اللازمة له وتوفير النصاب، وفي ظل عدم التوافق الخارجي حوله، فيما أي تراجع فرنسي ضمني عن ترشيح فرنجية لن يكون متعلقاً بشخص الرجل، إنما بسبب عدم توفر المقومات اللازمة. ولكن في مقابل تعثر مسار فرنجية، لا وضوح في إمكانية توفر أي خيار بديل حتى الآن. فيما هناك رهانات لدى المعارضة، بأنه في حال أعلن لودريان صراحة خلال الاجتماعات، وهو ما قد يبلغه لفرنجية بتعذر التوافق عليه، حينها قد يخرج فرنجية ويعلن الانسحاب من السباق الرئاسي. بينما محسوبون على الثنائي يعتبرون أن انسحاب فرنجية غير مطروح الآن، ولن يكون بهذه السهولة.
لدى سؤال مصادر متابعة عن ما بعد زيارة لودريان، تشير غالبية القوى السياسية إلى أنه لا بد من انتظار التحرك القطري، والذي سيتبلور في الأيام المقبلة التي تلي مغادرة لودريان بيروت. حينها ستتجه الأنظار إلى قائد الجيش جوزيف عون، الذي يحظى بدعم داخلي وخارجي يخولانه الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
هنا لا يمكن فصل هذا المسار عن اللقاء الذي عقد بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد وقائد الجيش جوزيف عون، مع الإشارة إلى أن اللقاء حصل في منزل قائد الجيش، وهذا ما يحمل الكثير من المؤشرات. هناك من يقرأ في هذا التطور بأن الحزب مستعد للانفتاح على قائد الجيش، في حال توفر توافق داخلي وخارجي حوله.
أما لدى سؤال المصادر عن موقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل فتجيب: “لن يكون باسيل حينها قادراً على العرقلة. فحزب الله حاول التفاهم معه لكنه هو من رفض ذلك، وفي حال توافقت غالبية الثلثين على انتخاب قائد الجيش بدعم خارجي، حينها لا يمتلك حزب الله والتيار الوطني الحرّ معاً الأصوات اللازمة لتعطيل النصاب أو لمنع انتخابه.