كتبت لوسي بارسيخيان في “نداء الوطن”:
على مشارف فتح أبواب تسجيل التلاميذ في المدارس الرسمية، ووسط الغموض الذي لا يزال يلفّ إنطلاقة العام الدراسي الجديد، لفت في زحلة قبل أيام ما نشره الرئيس الأسبق للمركز التربوي للبحوث والإنماء نمر فريحة على صفحته عبر منصة “فايسبوك”، منتقداً بشدة تغيير اسم واحدة من أبرز الثانويات الرسمية في زحلة، من ثانوية زحلة المختلطة الى ثانوية البروفسور منير أبو عسلي.
ما نشره فريحة بدا عالي النبرة، سواء من ناحية اللوم الذي وجهه إلى زحلة وأهلها، أو لجهة الإتهامات التي كالها لسلفه الذي تولّى مهمات المركز قبل سنة 1999 وقال أنه يملك الإثباتات حولها. كما استغرب أن يقبل الزحليون بنزع اسم مدينتهم عن مدرسة عريقة في المدينة، وهي مدرسة تأسست في المناسبة منذ سنة 1956 ولم تتوقف مسيرة تقدّمها “حتى في عزّ الحرب”.
إلّا أن كلام فريحة على رغم التفاعل معه، ظلّ في إطار العالم الإفتراضي، ولم يجد صداه المؤيّد أو المعارض سوى في الحلقات المغلقة. أما إستطلاع بعض الآراء التربوية ميدانياً فقد أظهر بأنّ الساعين للتسمية كما منتقديها في واد، والهمّ التربوي بواد آخر.
ليس منير أبو عسلي أو نمر فريحة غريبين عن ثانوية زحلة الرسمية. فكلاهما نال شهادته منها عندما كانت لا تزال تعرف بثانوية زحلة للصبيان. وكلاهما بالتالي يعرفان المستوى التعليمي العالي الذي ميّزها، مثلها مثل مدارس رسمية كثيرة، كان أهالي زحلة يعتبرونها مدارسهم، و”لا يخجلون” من إلحاق أولادهم بمقاعدها.
ولكن الحال لم يعد كذلك منذ سنوات طويلة. ليس المستوى التعليمي في المدرسة ما تبدّل. إنما نظرة الزحليين للمدرسة الرسمية عموماً، وقد جعلت حتى أساتذتها يمتنعون عن اللجوء إليها لتعليم أبنائهم. وهكذا صارت مدارس زحلة “لأبناء القرى” وهي العبارة التي يميّز بها الزحليون أنفسهم عن المحيط. وعندما إجتاح النزوح السوري القرى البقاعية، تفوّقت نظرة الزحليين الدونية لها، وصار إرتيادها محصوراً بالأكثر فقراً وحاجة في مجتمعاتها.
وعليه، عندما وقعت إشكالية الحاجة لتغيير اسم المدرسة، تداركاً لإزدواجية التسمية بينها وبين ثانوية زحلة للبنات التي تحولت أيضا ثانوية مختلطة، لم يهتم أحد لمنح المدرسة تسمية تحافظ على رمزية المدينة التي خرج منها أبرز الأدباء والشعراء. وما قُدّم من إقتراحات بقي في إطار الطروحات التي لم تجد من يتبنّاها أو يطالب بها رسمياً. إلى أن اتّخذ وزير التربية القرار في العام الماضي بتسمية المدرسة على اسم مستشاره منير ابو عسلي.
في تعليل التسمية الجديدة، قيل بأنها جاءت وفاءً لإنجازات أبو عسلي وعطاءاته في قطاع التربية. ولكن القناعات السائدة بأن الوزير أراد تكريم مستشاره من خلال هذه التسمية، وهو فعل ذلك من دون أن يستطلع الآراء أوّلاً. وبرأي هؤلاء إنّ التكريم في ظل الواقع التربوي المتأزم قد ينقلب على صاحبه. إذ إنّ المرحلة التي أُطلق فيها اسم أبو عسلي على مدرسة رسمية، هي الأسوأ التي تمرّ بها هذه المدرسة في لبنان عموماً. ولو كانت الإنجازات التربوية عظيمة فعلاً، لما وصل الجسم التربوي إلى بدايات العام الدراسي الحالي من دون بوصلة واضحة للمسار الذي سيسلكه بعد أعوام من التعثر. فيما الموارد المتبقية لدى معظم المدارس تعزّز التوقعات بأنّ هذا المسار سيكون إنحدارياً، يحمل أعباء سوء إدارة مركزية تواكب الأزمة التي يعيشها لبنان.
وهذا ما يجعل المدارس تتهيأ لبداية عام دراسي مع صناديق شبه مفلسة، لا يملك بعضها حتى قيمة فاتورة الهاتف التي تحتاج لتسديدها، وإذا توفرت لديها الأموال لتأمين التدفئة، أقلّه في الأشهر الأولى من إنطلاقة العام الدراسي، فهي محتجزة لدى المصارف. فيما الأساتذة، جميعهم ليسوا واثقين بأنّ رواتبهم ستسمح لهم بالتحاقهم بصفوفهم يومياً. ما يجعلهم يتساءلون لدى طرح إشكالية التسمية عليهم، هل المدرسة بناء واسم ولافتة أم هي مدرّس وناظر ومدير يقلقون على مستقبل تلاميذهم كمثل قلقهم على أولادهم؟
وبناء على هذا الواقع، هل يكون وزير التربية كرّم فعلاً أبو عسلي لإنجازاته التربوية، أم أنه بتسميته مدرسة رسمية على اسمه، حرص على أن تكون له بصمة معبّرة من حاشية مستشاريه، تؤرخ لمرحلة إنهيار المدرسة الرسمية وتحفظ لحقبته الفضل بإنحلالها؟