كتبت باسكال مزهر في “نداء الوطن”:
تضمن مشروع قانون موازنة العام 2024 ضرائب ورسوم جديدة على المواطن اللبناني في ظل غياب أي بوادر إيجابية للمباشرة بتنفيذ خطة التعافي والإصلاحات المطلوبة، وعلى رأسها إيجاد حل جذري لمشكلة التهرب الضريبي التي تساهم بشكل كبير في زيادة إيرادات الدولة. وبين المقترحات ضريبة مقابل خدمة جمع النفايات الصلبة ومعالجتها، فضلاً عن تحديد رسم استهلاك على المنتجات المستوردة للحفاظ على البيئة، لكن ذلك الرسم تمّ حذفه وإلغاؤه من مشروع موازنة 2024 على أن يتم تقديمه على شكل مشروع قانون لتعديل قانون 80/2018، من ناحية المادة 28 وبعض المواد الأخرى التي تحدد كيفية تأمين تمويل لإدارة قطاع النفايات الصلبة عبر هذه الرسوم. فما الجدوى من فرض هكذا رسوم؟ ومن الذي يضمن تحصيلها وفعاليّة الخدمات التي تغطيها؟
رسم شامل
تطبّق هذه الرسوم على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين العامين والخاصين كافة دون إستثناء وفق ما هو محدّد بالدولار الأميركي، على أن تتم جبايتها وفق سعر الصرف المعتمد من وزارة المالية لإحتساب الضريبة على القيمة المضافة. ووفق جدول مرفق، تشمل هذه الرسوم الإدارات الرسمية وسائر أشخاص القانون العام والسفارات والمنظمات الدولية والهيئات الحكومية، المؤسسات الخاصة، المؤسسات الخاصة غير المرخصة، الوحدات السكنيّة، فضلاً عن مخيمات اللاجئين والنازحين.
ما الجدوى من هذا الرسم؟
وفي إستطلاع لرأي وزير البيئة ناصر ياسين قال عبر «نداء الوطن» إن «هذا إجراء أساسي لإصلاح قطاع النفايات. لأن هذا القطاع حسب قانون «الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة» رقم 80/2018 كان قد حدّد بعد أزمة 2015 و2016 ولكي يستطيع القطاع الإنتظام والعمل حسب الأصول يجب أن يغطي كلفة خدماته من ناحية الكنس والجمع والنقل والمعالجة والطمر… لذلك قامت الوزارة بدراسة كاملة لتكلفة هذا القطاع من ناحية كمية النفايات المنتجة بين منازل ومؤسسات، كما قامت بتحديد رسم تجبيه البلديات لتغطية هذه الكلفة، وهذا الرسم محدّد بين دولارين (او ما قيمته بالليرة) في المناطق الصغيرة من قرى وأرياف و3 دولارات في المدن، ويزداد هذا الرسم بحسب حجم المؤسسات أو المنازل. على ان العبء الاكبر يقع على على المؤسسات وليس المنازل».
ويتابع الوزير: «هذا مشروع إصلاحي لتتمكن البلديات من القيام بواجباتها لأن إمكانياتها ضعيفة حالياً، وكان هذا الرسم يغطى عبر طرق مشتتة ومتعددة إما من خلال جباية الرسوم البلدية بشكل عام أو عبر الصندوق البلدي المستقل أو عبر الخزينة، وهذا الأمر ليس بالأمر العادل، لذلك لجأنا إلى تحديد رسم ثابت موحد وشامل لكل المناطق اللبنانية ولكل مؤسسة حسب حجمها وحسب كمية النفايات المنتجة».
معيار تحديد نسبة الرسم
تحدّد نسبة الحد الأدنى والأقصى للرسم وآلية إستيفائه بموجب قرارات تصدر عن وزارة البيئة والداخلية والمالية، إستناداً إلى مساحة الوحدة السكنية وعدد الغرف والأسرّة والقاطنين. وفي هذا الإطار تطرح إشكالية المعيار المعتمد لفرض وتحديد نسبة الرسم على خدمة جمع النفايات الصلبة ومعالجتها بالنسبة إلى المكلفين. بحيث تعتمد المدفوعات على حجم الشركة أو القطاع وليس على حجم النفايات الناتجة، فكيف سيتم تقدير حجم الشركة؟
وفي هذا الإطار إعتبر الوزير ياسين أن «هذا غير صحيح إذ هناك صعوبة بتحديد وقياس حجم وكمية النفايات. لذلك لجأنا إلى الأخذ بمعيار حجم المؤسسة. بمعنى ان مطعماً لديه مئة طاولة وباستطاعته إستقبال 400 شخص له هامش تقوم البلدية بتحديده بحيث يختلف عن مطعم صغير (سناك) لديه هامش آخر نسبة إلى حجمه. لذلك إعتمدنا على حجم المؤسسة وحجم نشاطها الإقتصادي، اما تحديد الكميات المنتجة بناءً على الأوزان فأمر شبه مستحيل».
تكليف البلديات باستيفاء الرسوم
أشارت المادة 58 في الموازنة إلى أن استيفاء هذه الرسوم يتم في مطلع كل سنة من قبل البلديات ومن قبل المحافظة أو القائمقامية حيث لا توجد بلدية، وذلك بموجب جداول تحصيل سنوية مقسطة على 12 شهراً أو أقل حيث لا قدرة على الجباية الشهرية. وفي هذا الإطار إعتبر الوزير أن «الجداول تقوم بتحديدها وزارة البيئة على أن تلتزم بها البلديات التي تملك هامشاً من التحرك بناءً على تحديد هذه الأحجام والكميات المنتجة من قبل هؤلاء المنتجين. فمثلاً إذا كان منتج النفايات يقوم بفرز النفايات فهذا يمنح البلديات هامش تخفيف الرسم على هذا المنتج».
فرض الرسم مرة ثانية
وفي هذا السياق إعتبر بعض المتابعين لهذا الملف عبر «نداء الوطن»، أن «رسوم خدمات جمع النفايات ومعالجتها يتم تحصيلها وهي تدخل من ضمن الرسوم البلدية. فعملية جمع النفايات ومعالجتها تأتي من صلب صلاحيات البلديات وواجباتها فلماذا فرض الرسوم مرّة ثانية؟ فما تم في هذا الإجراء، برأي المعترضين، هو خلق رسم جديد لا علاقة له بالرسم البلدي يتعلق بخدمة جمع ومعالجة النفايات يتم دفعه مباشرة للدولة. إذ تقوم البلديات بتحصيل الرسوم التي تذهب مباشرة إلى الصندوق المشترك وتدخل بالتالي إلى الموازنة ليتم صرفها في ما بعد».
ويتابع المصدر: «ففي ظل مقاربة تفعيل اللامركزية، تقوم الدولة عبر هذا الإجراء بزيادة وتفعيل المركزية عبر إلزام البلديات في التعاقد مع الشركات التي تحددها الدولة لأن الأموال تم تحصيلها عبر الدولة، مما يفتح المجال أمام تفعيل الإحتكار وتراجع المنافسة بين الشركات. من هنا تبرز مطالبة بحسم رسم خدمة جمع النفايات ومعالجتها من ضمن الرسم البلدي، أي تخفيف الرسم البلدي إذا تم الإصرار على إستيفائه بالصفة التي تم طرحه بها».
أما الوزير فقد أكد أنه «بعد الأزمة وطيلة هذه الفترة قامت الوزارة بالعمل مع بعض البلديات والتعاون حول كيفية تطبيق هذه الرسوم، فأصبحت البلديات تأخذ أموالاً على شكل «مساهمات» وليس رسماً ضمن القانون. فبعض البلديات إعتبرت أنه في ظل غياب أي إطار قانوني صادر عن مجلس النواب يغطي فرض هكذا رسوم لن يتم تحصيل الرسوم موضوع الحديث. أما بلديات أخرى فضلت أن تأخذ مساهمات يوافق عليها وزير الداخلية والبلديات لأنها لا تستطيع تحمل أعباء هذه الخدمات وعددها في ازدياد مستمر، ونحن نشجع هذا المسار كي نتجنب إنهيار القطاع بالكامل».
لماذا تمّ تحديد الرسم بالدولار مع إعتبار أن تحصيله سيتم بالليرة؟ فيجيب وزير البيئة: «بسبب الواقع النقدي الموجود. من الأفضل تحديد الرسم بالنسبة إلى سعر صرف الدولار. فكل خدمات هذا القطاع يتم تحصيلها من قبل المتعهدين بالدولار أو بقيمة الدولار (آليات، مازوت، صيانة المعامل، أعمال الطمر…)، لذلك تم وضع آلية تحديد الرسم بالدولار وتم ربطها بالجباية التي تحصلها المالية على الجمارك أي حسب الـ (Coefficient) المستخدم».
كيف ستكون عملية التحصيل؟
وبحسب الوزير: «من المفضل أن تكون عملية التحصيل شهرية كي لا تتراكم المبالغ نهاية السنة، ويصبح المكلف عاجزاً عن دفع المبالغ المستحقة. إذ تقوم البلديات بتكليف المؤسسات والمنازل في بداية العام، تتم عملية الدفع كل شهر ويمكن التقسيط على ثلاثة أشهر حسبما تراه البلدية مناسباً وحسب قدرتها على التحصيل، عندها تكون المصاريف مقبولة».
ويتابع: «عندما تقوم البلدية بالجباية، عندها يمكنها العمل والتعاون مع البلديات المجاورة على ما يسمى «خطط الإدارة المحليّة» أي خطط محلية لإدارة النفايات وذلك لإدارة القطاع. فالوزارة تساعد بإعادة النهوض بالقطاع عبر الإستثمار وتصليح معامل الفرز والمعالجة في المناطق، فأغلب هذه المعامل متوقفة. فعملية الإستثمار نساهم فيها عبر المانحين والجهات المانحة لكن عملية التشغيل يجب على البلديات أن تكون لديها القدرة عليها. ومن هذا المنطلق وضعنا هذا الرسم لتأمين السيولة اللازمة للبلديات».
بالنسبة للمنتجات المستوردة، ما أهمية فرض هذا الرسم عليها؟ بحسب الوزير فإن «أهميتها باستيفاء الرسوم في ما يتعلق بمسؤولية منتج النفايات. فعندما يتم إستيراد بضائع معينة ينتج عنها مخلفات (كرتون خشب بلاستيك…)، لذلك يجب فرض رسوم تساهم في عملية المعالجة وإدارة القطاع».