كتب منير الربيع في “المدن”:
أحد المستجدات التي نقلت عن لسان المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، هو ما أعلنه عدد من نواب التغيير، بأن الرجل أبلغهم بخيار انتخاب رئيس للجمهورية غير محسوب على أي طرف. وقد ذهب بعض النواب إلى التأكيد بأنهم سمعوا من لودريان أنه لا يرى سليمان فرنجية رئيساً ولا جهاد أزعور. من غير المعروف إذا كان المبعوث الفرنسي يعبّر عن قناعته وقراءته، أم ان تحركه يندرج تحت هذا العنوان. فيما آخرون يعتبرون أنه قد شدد على الحوار وعلى ضرورة التعاون بين اللبنانيين ليتمكن الخارج من مساعدتهم.
معركة منتهية؟
يذهب البعض إلى تفسير مضمون جولة لودريان، بأنه طي لصفحة سليمان فرنجية، وتعبيد الطريق أمام خيار قائد الجيش. بعض آخر يعتبر أن المعركة أصبحت شبه منتهية، وهي تحتاج لتوفير عملية الإخراج في كيفية التوافق على انتخاب قائد الجيش. خصوصاً أن لودريان حرص على تأكيد انسياب تحركه مع الدول الخمس المعنية بلبنان. وهو ما يتكامل في اللقاء الذي دعا إليه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لودريان والنواب السنّة، لإبلاغهم بموقف واضح وهو التنسيق السعودي الفرنسي حول العناوين الكبرى للانتخابات الرئاسية. هذه الحركة السعودية، توحي بالدخول والتعاطي بشكل مباشر مع الملف اللبناني، من خلال رمزية اللقاء والقول إن السنّة رمزياً هم لديها، نظراً لحضور المفتي والنواب، بغض النظر عن بعض التباينات في الآراء السياسية.
أصبح واضحاً أن المسعى الفرنسي لا يمكنه الوصول إلى أي نتيجة بدون التكامل والتنسيق مع قوى الداخل والخارج، وخصوصاً مع الخماسية. فكل التعثر والفشل الذي أصاب التحرك الفرنسي هو لأن السياسة الفرنسية في لبنان قامت على قناعتين. الأولى فحواها أنه ليتم إنجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان يجب إرضاء حزب الله والأخذ بخياراته. والثانية، أن أي تعاون فرنسي مع رئيس مجلس النواب يمكنه أن يؤدي إلى خلق توافق على خيارات حزب الله بجعلها خيارات للفرنسيين مع برّي، وليست خيارات الحزب. ولكن طريقة العمل هذه لم تأخذ بالاعتبار نقطتين أساسيتين، الأولى ذات بعد محلّي تتعلق بتشتت الطبقة السياسية من خارج ما كان يسمى بقوى 8 آذار، وتشعباتها وتفرعاتها، وخصوصاً مع خروج تيار المستقبل من اللعبة السياسية في هذه المرحلة. والثانية هي التغير في أسلوب عمل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية في التعاطي مع الملف اللبناني.
المبادئ أولاً
الاعتماد الفرنسي على دور برّي لإقناع أطراف أخرى كانت منضوية سابقاً تحت إطار 14 آذار، كما حصل في الفترات الماضية، وتحديداً بعد العام 2005، لم يعد بإمكانه النجاح، بعد انفراط عقد هذه القوى. وهو ما فرض تغيراً في آلية التعاطي، بشكل يختلف عن ما حصل في العام 2016 والتسوية التي أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، والذي بدا وكأنه عبارة عن تفاهمات محلية، وحصل على ضوء أخضر دولي.
أما نقطة التغيير الجدي في آلية التعاطي الأميركية السعودية حول لبنان، فهي تتعلق بأن التعامل مع لبنان أصبح تحت سقف عناوين ومبادئ عبّرت عنها بيانات اللجنة الخماسية. وبالتالي، الاكتفاء بالعناوين العامة من دون الدخول في التفاصيل. فلم تتمكن فرنسا من حشد الدعمين السعودي والأميركي في الإدارة التفصيلية للملف. وهكذا أصبحت المبادرة الفرنسية وحيدة، وتعتمد على أدوات لم يتم تجديدها أو تطويرها، ولم تأخذ بالاعتبار كل التغيرات السياسية التي حصلت منذ العام 2019 إلى اليوم. ولذلك أصبحت زيارات المندوب الفرنسي عبارة عن لقاءات مع أطراف تشكو بعضها البعض، وتطفو فيها النميمة، ما يدفع الفرنسيين إلى إسماع كل طرف ما يحب أن يسمعه.