كتب طوني جبران في “المركزية”:
فرضت التطورات التي واكبت نهاية الجولة الثالثة للموفد الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان قراءة جديدة للمعطيات التي برزت في الساعات الاخيرة، فعطلت الكثير من الخطوات التي كان ينوي القيام بها في ختام زيارته الى بيروت ومنها مشروع اللقاء على مستوى رؤساء الكتل النيابية والنواب التغييريين لتقويم الزيارة والتي ارجئت الى ما بعد عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتكون على مستوى من لبى دعوته عبر رسائله الـ 38 التي وجهها الى النواب مقدرا عودته قبل نهاية الشهر الجاري الى بيروت.
وعليه، تحدثت مراجع سياسية وديبلوماسية لـ “المركزية” وحددت أكثر من مؤشر يدفع الى ان ما يطالب به لودريان من خطوات عملية تؤدي الى جلسة انتخاب الرئيس ودورات متتالية حتى انتخابه ما زال يحتاج الى بعض الوقت لامرار المرحلة بأقل الخسائر الممكنة ولئلا تضيع أهداف المبادرة الفرنسية ما لم تكتمل التحضيرات المؤدية الى انجاحها.
ولذلك، أضافت المراجع عينها “ان لودريان الذي تثبت من مجموعة المخاوف والهواجس التي كانت لديه قبل جولته الثالثة، قرر مواجهتها بجهود إضافية داخلية وخارجية. ولعل نجاحه في معالجة الكتلة النيابية السنية بدعم سعودي لا نقاش في شكله ومضمونه دفعه الى العودة الى اركان الخماسية لتقويم الجديد الذي تحقق بعد ان شكل علامة فارقة في جولته الاخيرة. وهي محطة يمكن ان تؤدي الى توفير الاكثرية النيابية لأي طرح يمكن ان يتم التفاهم بشأنه على مستوى الخماسية.
وعند الدخول في التفاصيل، تلفت هذه المراجع الى ان “الطحشة” الديبلوماسية السعودية أعطت دفعا للاقتراحات الفرنسية لمجرد نجاحها في الربط بين جانبين مهمين. وهو ما تجلى بالخرق السعودي للجمود الحاصل من زاويتين الاولى تجلت باللقاء الذي شهدته السفارة السعودية بين سفيرها ونظيره القطري الجديد في لبنان وما انتهى إليه من تنسيق لبعض الخطوات الداعمة للحراك الفرنسي استكمل حلقاته الايجابية باللقاء الموسع الذي استضافته السفارة بجمع الموفد الفرنسي بالنواب السنة وبمشاركة لافتة لمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان.
وقياسا الى ما انتهت إليه هذه الحركة، فقد رصدت المراجع تغييرات كبيرة في المشهد الانتخابي قد يؤثر ايجابا في إعادة النظر بالمعادلة النيابية السلبية بحيث يمكن ان تشكل خرقا يخرج الاستحقاق الرئاسي من خندق المواجهة بين المرشحين الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور باتجاه لائحة اخرى من المرشحين يتقدم فيها اسم قائد الجيش العماد جوزف عون بالإضافة الى أسماء أخرى لا يستبعد ان تطرح في الايام القليلة المقبلة.
عند هذه المؤشرات، تعزز الاعتقاد في اوساط مراقبة ان تمديد مهمة لودريان التي انعشتها هذه الخطوات، لربما انعكست تأجيل الخطوتين بانتظار تقدير الظروف التي تؤدي الى احيائهما ان دعت الحاجة إليهما. ولترجمة هذا التوجه ينبغي على المراقبين التوقف أمام احتمال ان يؤجل رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى “طاولة الأيام السبعة” كما بالنسبة الى الطرح القطري الذي كان ينتظر نتائج جولة لودريان. فان تحقق الأمران ستكون البلاد امام منعطف جديد ينجو بالاستحقاق الرئاسي الى مرحلة أخرى ولن يطول الوقت لتتكشف معالمها.
وبناء على ما تقدم، لا يمكن للمراجع المراقبة ان تحسم مثل هذا النقاش قبل ان تأتي الايام المقبلة بالخبر اليقين. فإما يمضى بري في توجيه الدعوة الى طاولة الحوار وتقديم ما يبرر استعجاله لهذه الخطوة او يجمدها. وكذلك بالنسبة الى البعثة القطرية التي سبقت وواكبت وصول السفير القطري الجديد الى بيروت فان واصلت اجتماعاتها وانتقلت من “العتمة” التي غلفتها الى “الضوء” ستتغير أمور كثيرة وان جمدت حراكها فان ذلك سيشكل رسالة بالغة الأهمية تدل الى ان مهمة لودريان لم تنته بعد وان امامه اكثر من خيار ليس آخرها العودة مجددا الى بيروت ليطلق آخر “ابتكاراته” في لقاء يمكن تحقيقه بدون احراج احد من طرفي الموالاة والمعارضة لـ “طاولة حوار” او “طاولة مهمة” وسواء سمي “لقاء تشاوريا” او “لقاء حواريا” أو اي إسم آخر، فيجمع من اجاب على رسائله الـ 38 في 14 آب الماضي طالما انه قد صرف النظر عن اللقاء الموسع والشامل.
وعليه، فان الأنظار تتجه في الأيام القليلة المقبلة الى الحراك المتوقع على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وتحديدا على مستوى الخماسية لقراءة المحطات المقبلة وتوقع ما هو ممكن من خطوات بمعزل عن تمنيات ورغبات البعض بالنجاح او بالفشل.