جاء في “المركزية”:
لم يتعب الفاتيكان وهو يحمل لبنان في قلبه وعقله. قد يستسهل البعض فاعليّة الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة ويصنّفها في عداد الدّيناميّة الأكاديميّة، أو الشّعاراتيّة، أو الوجدانيّة في ابتعاد عن أيّ إمكان تأثير أو تحقيق. ينسى هذا البعض دور الفاتيكان في إنهاء مسار القبضة الحديديّة للاتّحاد السوفياتيّ، ومواجهته للإرهاب والتطرّف بعمل تراكميّ، وتصدّيه لحلف الأقليّات برؤية حلف المواطنة، ووقوفه في وجه تسعير الغرائز القوميّة الرّاديكاليّة. هذا الاستسهال تبسيطيّ ولا يعي عمق ما يقوم به الفاتيكان من أوكرانيا إلى لبنان، وفي لبنان تحديداً انطلاقاً من فهمه العميق لطبيعة الخطر الوجوديّ الذي يهدّد لبنان الرّسالة. هذه سرديّة التّاريخ لا سرديّة الانفعالات.
في هذا السّياق، علمت “المركزية”، أن اجتماعاً مخصّصاً بجزء كبير منه للقضيّة اللّبنانيّة تعقده أمانة سرّ دولة الفاتيكان برئاسة الكاردينال بييترو بارولين الأسبوع المقبل بمشاركة سفراء دول الأعضاء في اللّجنة الخماسيّة لبحث خارطة طريق عمليّة إنقاذّية، خصوصاً وأنّ إيران طلبت إلى “حزب الله” نقل الاشتباك من رئاسة الجمهوريّة إلى اشتباك حول طبيعة النّظام السياسيّ، أيّ التّركيز على تعديل اتّفاق “الطّائف”، وهذا ما يخفيه حزب الله عن كلّ أدبيّاته في هذه المرحلة، لا بل هو يعلن عكسه، وفي هذا يقف الفاتيكان موقفاً صارماً رافضاً لكل محاولات تعديل الصّيغة اللّبنانيّة الميثاقيّة إمّا بالاستقواء أو بالانعزال والتفتيت.
أضف إلى هذا الاجتماع الدّوليّ بقيادة فاتيكانيّة يلتقي البابا فرنسيس هذا الأسبوع أيضاً في مرسيليا الرّئيس الفرنسيّ ايمانويل ماكرون، وفي صلب جدول أعمال اللّقاء القضيّة اللّبنانيّة، وقد علمت “المركزيّة” أنّ النائب البطريركيّ العامّ على نيابة صربا المارونيّة الذي سيشارك في أعمال المؤتمر في مرسيليا حول الهجرة واللّجوء على ضفتيّ البحر الأبيض المتوسّط لن يألو جهداً في دفع المرجعيّات المشاركة إلى استمرار دعم لبنان لإنقاذ هويّته الرّسوليّة في الحريّة والتعدّديّة والعيش معاً.
ولا يغيب عن المصادر التي استطلعتها “المركزيّة” الإشارة إلى أنّ السّفير البابوي لدى الأمم المتّحدة المونسنيور غابرييل كاتشيا يتولّى مهمّة دقيقة للدّفع باتّجاه إبقاء لبنان أولويّة في مجلس الأمن، ومسار التّدويل القائم على توجّهات واضحة تبنّتها الخماسيّة من تطبيق اتّفاق الطّائف، إلى تنفيذ القرارات الدّوليّة، وإنهاء حالة السّلاح غير الشّرعيّ، وإصلاح المؤسّسات، ووقف عرقلة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت حتّى إنفاذ العدالة، وإطلاق عجلة الإصلاحات البنيويّة والقطاعيّة، وتحييد لبنان عن الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة، مع دعم خيار قيام دولة المواطنة في صيغة التّعدّديّة والعيش معاً، مع معالجة أزمتي اللّجوء الفلسطينيّ والسّوريّ، هذا المسار التّدويليّ بات معادلة قائمة إنطلاقاً من قناعة بأنّ “لبنان رهينة ومحتلّ، وشعبه ضحيّة جريمة عن سابق تصوّر وتصميم”.
وإذ تقول المصادر المواكبة للديبلوماسيّة الفاتيكانيّة لـ”المركزيّة” أنّ “الفاتيكان يؤمن بأنّ لبنان بلد الحوار، لكنّه يعي أنّ ثمّة فرقاً بين التّعطيل وفرض حوار خارج الدّستور من ناحية، وموجب الإبقاء على قنوات التّواصل من ناحية أخرى”، وتضيف المصادر: “بين الفاتيكان وفرنسا حول لبنان هوّة سحيقة، وحلف الأقليّات الذي ما زالت فرنسا تدافع عنه خطيئة، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في المنطقة، رغم محاولة تسويق العكس وبالتّالي لا بدّ من المثابرة في المواجهة السّلميّة حتّى استعادة لبنان الرّسالة دوره وتنقية هويّته”.