كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
لا شك في أنّ تكاليف الإستشفاء والعلاج هي أكثر ما يؤرّق المواطن العكاري مع تحوّل كلفتها إلى الدولار الأميركي سواء في المستشفيات الخاصة أو الحكومية، وارتفاع تلك التكاليف بشكل كبير يجعل السواد الأعظم من الشماليين غير قادرين على تأمينها، ويتهربون منها بالدعاء والتضرّع الدائمين إلى الله «ألا يدخل أحد الأقرباء إلى المستشفى».
وفي ظل تراجعٍ كبيرٍ في تقديمات الجهات الضامنة، من تعاونية موظفي الدولة أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، واعتماد المواطن على ذاته وقدراته لتأمين طبابته وعائلته، يبرز في الآونة الأخيرة في مناطق الشمال الإعتماد على وسائل التواصل الإجتماعي ومجموعات «واتساب» لحضّ الأشخاص والمتبرعين وكل من أراد المساعدة على أن يساعد ويقدّم ما أمكن لحالات مرضية موجودة في مستشفيات الشمال.
أمام هذا الواقع الصحي الصعب يبقى المواطن شمالاً أمام خيارين لا ثالث لهما: المستشفيات الحكومية، وهي تسعّر خدماتها بالدولار أيضاً، وإما اللجوء إلى مراكز الرعاية الأولية للخدمات الطبية السريعة، وإما المستشفيات الخاصة فهي لمن استطاع إليها سبيلاً، وقد أصبح المستطيعون قلة قليلة في هذه الفترة… هذا الأمر يفسّر التراجع الذي تسجّله بعض المستشفيات الخاصة في الشمال بأعداد النزلاء.
ولا بدّ من التوقف عند معطيات جديدة تسجّل في الأشهر الأخيرة تتمثل بالنزوح اللبناني من الشمال نحو مناطق سورية، ولا سيما محافظتي حمص وطرطوس من أجل الطبابة والإستشفاء. فبين إجراء العمليات الجراحية ومعاينات الأطباء في العيادات المختلفة وبين شراء الأدوية، يمكن الإشارة إلى أنّ نسبة كبيرة من أبناء عكار والمنية – الضنية وطرابلس صارت سوريا وجهتهم للإستشفاء، وهذا ما تؤكده حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشمالية (الدبوسية، العريضة، البقيعة)، وحيث يشير إلى ذلك المواطنون بأنفسهم لدى سؤال الأمن العام من الجانبين لهم عن وجهتهم وسبب الدخول.
وبين حالة وأخرى، ثمة حالات معدومة ولا تملك حتى ثمن الأدوية، وهي اختارت العودة قسراً إلى الجذور والتداوي بالأعشاب وبما تيسّر من أدوية مجانية تؤمّنها بعض الجهات أو الأشخاص لمساعدتهم. تجدر الإشارة إلى أنّ الأدوية التركية ملاذ آخر للمواطنين بعد الأدوية السورية، لأنّها أرخص من الأدوية في لبنان، ولأنّ ثمة أدوية في لبنان مفقودة وهناك أشخاص عدة يؤمّنون الأدوية التركية إلى لبنان وهناك صفحات خاصة على التواصل الإجتماعي لهذه الغاية.
زيارات متكررة يقوم بها وزير الصحة فراس الأبيض إلى عكار ومناطق الشمال لا يرى فيها مواطنون أكثر من محاولة لتلميع صورته في حين أنّ كل هذه الزيارات المتكررة لم تؤدِ إلى حل مشكلة مريض واحد.
مرجع طبي شمالي يشدّد لـ»نداء الوطن» على القول «من المؤسف أن نجد النازح السوري يؤمَّن علاجه في لبنان بينما معاناة المواطن اللبناني عند أبواب المستشفيات مستمرة لسنوات إضافية، وكانت قد تفاقمت بشكل كبير منذ أربع سنوات… ولا يبدو أنّ الحل قريب والأزمة ستمتدّ لسنوات إضافية، طالما ليس هناك خطة نهوض شاملة بالقطاع تُعيد الدولة إلى دورها الرعائي، وليس كما هو حال وزارة الصحة اليوم مجرّد ناقلة لتسعيرة الأدوية وتكاليف العلاج».
ويضيف المرجع: «في اللحظة التي نرى فيها وزارة الصحة استلمت زمام الأمور برعاية المرضى، يمكن عندها القول إنّ القطاع الصحي بدأ يتعافى. وإذا كان الوزير يريد أن يفعل شيئاً جيداً في هذه الفترة فعليه أقله أن يجعل من القرض المحتمل من البنك الدولي كنوع من التغطية للتكاليف الإستشفائية للبنانيين بالدولار، خصوصاً في هذه الفترة، في مناطق الفقر شمالاً، وحيث أنّ مدخول رب العائلة الشهري يتراوح بين 100 و200 دولار، وكيف لهذا المدخول القليل أن يغطّي فواتير المستشفيات العالية»؟
يمكن القول إنّ المرتاحين من الشماليين من مشاكل الطبابة والإستشفاء وهمّها الجاثم على الصدور هم النسبة الأقل من سكان هذه المناطق، وهم في الدرجة الأولى الأغنياء وقسم من موظفي القطاع الخاص أو الجمعيات والمنظمات الدولية من ذوي بطاقات التأمين الصحي، وغير أولئك كل الباقي متعب ويكابد حتى في تأمين حبة الدواء.