كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
بانتظار مفاجآت يمكن أن تصدر عن اللقاء الخماسي الذي سيعقد بين الدول الخمس المتابعة للملف الرئاسي اللبناني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يمكن التأكيد أن موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية عاد إلى المربع الأول، وكل المساعي التي بذلت في الفترة الأخيرة، لم تبدل في خارطة تموضع القوى السياسية اللبنانية، لاسيما منها التي لها حق نقض أي من التوافقات التي قد تحصل، استنادا إلى قوة تأثيرها على الأرض، ولأن لديها ورقة حجب الميثاقية عن أي انتخابات لا تشارك فيها، كون هؤلاء يمتلكون تمثيل نيابي كامل لطائفة أساسية لها حضورها الواسع بين مكونات الاجتماع اللبناني.
كانت المراهنة واسعة على الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي سينتهي إلى عقد جلسات متتالية تفضي إلى انتخاب رئيس ولو بالنصف من عدد النواب. لكن المعطيات المتوافرة تؤكد أن ذلك لن يحصل، والتجاوب الواسع الذي لاقته مبادرة بري، لا يكفي، ويبقى منقوصا وطنيا، لأن ممثلين أساسيين للساحة المسيحية لم يعلنوا تأييدهم لهذه المبادرة حتى الآن، والمعروف أن بري يرفض السير بأي خطوة جوهرية مثل انتخاب رئيس للجمهورية من دون توافر تمثيل ميثاقي في قاعة مجلس النواب. والميثاقية في لبنان مهمة، ولو أنها عدو لدود للديموقراطية التي تعتمد على النظام الأكثري.
وإذا كنا لا نريد إضفاء أجواء تشاؤمية إضافية على الساحة اللبنانية التي تعاني من عتمة دامسة، لكننا لا يمكن أن نتجاهل مسحة الخيبة التي ارتسمت في الأجواء، بعد مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان من جراء التصريحات التي أكدت على بقاء الخيارات على ما كانت عليه، خصوصا لناحية إصرار فريق حزب الله على ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، وتأكيد هذا الفريق أن المباحثات التي جرت بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزاف عون، لم تتطرق للملف الرئاسي، وهي تناولت مواضيع أخرى، والحزب متمسك بترشيح فرنجية، برغم أن الفريق الآخر بدل مرشحيه أكثر من مرة، وقد أبدى استعدادا للتجاوب مع أي تسمية وسطية جديدة.
من الواضح أن قواعد اللعبة التي تتحكم بالملف الرئاسي لم تتبدل عند قوى أساسية، وهذا الوضع ينتج تشددا مماثلا عند الفريق المقابل. والقوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الملف الرئاسي تبدو أمام فرضيتين لا ثالث لهما، أما أنها لم تحزم قرارها بعد، وهي تنتظر ظروفا مناسبة أكثر لفرض خياراتها، أم أنها ليست متفقة فيما بينها، والدور الفرنسي لا يحصل بموجب تكليف خالص من هذه المجموعة.
الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان الى بيروت، لم تتطرق علنا الى الملف الرئاسي، وهو اعتبر أن الموضوع داخلي لبناني و«بلاده لا تتدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية» كما قال. لكن المعطيات المتوافرة، والاستنتاجات التي خلص إليها المراقبون، تؤكد أن عبداللهيان بحث مع حلفائه الملف الرئاسي وأحداث مخيم عين الحلوة وانعكاسات التطورات في سورية على وجه التحديد. ومن الواضح أن حماسة حلفائه لإنهاء الشغور الرئاسي تراجعت، وتراجع الحوار الذي كان يجري بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو حوار هام للدفع باتجاه إتمام الانتخابات الرئاسية، ولو بخيارات جديدة.
رئيس مجلس النواب نبيه بري، أخذ جرعة مشجعة من تصريحات المبعوث الفرنسي المؤيدة لدعوته الحوارية، لكنه بالمقابل يدرك أن حماسة حلفائه للحوار لم تعد بالزخم الذي كان عليه الحال عند إطلاق الدعوة مطلع سبتمبر. وتأكيد حلفائه على التمسك بمرشحهم الوحيد، ليس في صالح الحوار على الإطلاق.