كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
إلى أوائل تشرين الأول دُر. هكذا «يمرّ الزمن» على لبنان العالق في «كبسولة» الاستحقاق الرئاسي الذي يُقذف من مهلةِ أملٍ بإنجازه إلى أخرى، من دون أن يكون في جيْب أحد الخبر اليقين عن الموعد الأكيد لفكّ أسْرِ انتخاباتٍ تقترب من دخول السنة الثانية… فراغ.
فالشهرُ الطالع بدا مضبوطاً على ساعةٍ بـ «عقربيْن»، داخليّ حدّده رئيس البرلمان نبيه بري للدعوة إلى حوارٍ برئاسته يمهّد لجلسة مفتوحة «بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس، على طريقة انتخاب بابا روما»، وخارجيّ تشكّله العودة الموعودة للموفد الفرنسي جان – ايف لودريان بعدما فتحتْ الجولةُ الثالثة من مَهمته التي أنهاها يوم الجمعة البابَ أمام «الخيار الثالث» رئاسياً على قاعدة أن اسميْ سليمان فرنجية (رشحه فريق الممانعة بقيادة حزب الله) وجهاد أزعور (تقاطعت عليه غالبية المعارضة مع التيار الوطني الحر) بلغا الحائط المسدود وثبت في جلسة «استكشاف الأوزان رقمياً» في 14 حزيران الماضي أن لا إمكان لـ «مرور» أي منهما من «خرم الشِباك» الرئاسية.
وبين هاتين المحطتين يفترض أن يكون انقشع «الخيطُ الأبيضُ من الأسود» في مهمة الموفد القطري، المدعومة من «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضم ايضاً الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية ومصر)، القائمة على نزْع السمّ من «العقارب» التي مازالت تلسع الواقع الرئاسي وتحول دون بلوغه تسويةً لم يعد أحد يشكّك في أن لا مفرّ منها إذا أريد اختصار الطريق وإبعاد لبنان عن «منطقة أعاصير» سياسية – مالية قد يتداعى معها ما بقي من هيكل مؤسساتٍ وتنقطع آِخر الحِبال الفاصلة عن السقوط المروّع.
وفيما تحدثت بعض المعلومات عن أن زيارة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي أرجئت إلى الأسبوع الأول من تشرين الأول المقبل، أشارت مصادر أخرى إلى أن الوفد القطري موجود في بيروت وأنه يحوط مَهمته بسريّة، وسط تَرقُّب لما إذا كانت مجموعة الخمس ستعقد اجتماعاً حول لبنان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وعلى أي مستوى، وما الذي سيصدر عنها علناً، باعتبار أن ذلك سيساعد في رفْد الدور القطري بدعم إضافي.
ووفق هذه المصادر فإن «الخيار الثالث» الذي بات ثمة توافق بين شركاء مجموعة الخمس على أنه صار المخرج الوحيد للأزمة، لم تكتمل بعد العناصر الداخلية التي توصل إليه ولا توافَر النصاب الكامل الإقليمي له على قاعدة تَقاطُعٍ تجد إيران نقطةَ شبْكٍ معه.
وتشير المصادر نفسها إلى أن قوى المعارضة مدّت يدها وأبدت استعدادها التام للذهاب نحو الخيار الثالث، في حين أن «الممانعة» لم تبدّل بعد من موقفها القائم على التمسك بفرنجية والحوار، بل أطلقت إشاراتٍ إلى أن المسرح الخارجي «الناقص» لا يمكن أن يُنتج حلاً «وأن الإنتاج يكون عبر الحوار».
وترى هذه المصادر أن «حزب الله» في إشاراته التي لم تعطِ حتى الساعة الضوء الأخضر لـ «التكويع» نحو الخيار الثالث، يراهن داخلياً على الحوار وخارجياً على تبدُّل موقف الرياض في ضوء مآلات الملف اليمني، في حين أن الدوحة تراهن في حِراكها على تبديل موقف طهران فتنقع حلفاءها بالانتقال الى الخطة ب، وعلى أن وحدة كلمة «مجموعة الخمس» قد تتيح تغيير تموْضع الكتلة الوسطية (السنية) في البرلمان اللبناني بما يبدّل في التوازن السلبي ويشقّ الطريق نحو اسم ثالث يتصدّره حالياً قائد الجيش العماد جوزف عون.
وفي حين استوقف الدوائر نفسها قول بري في حديث صحافي أنه سيدعو الى الحوار «في أوائل تشرين الأول اذا لم تحدث أي مفاجأة، ومازال الوقت امامنا، وسمعتُ أن القطريين سيأتون الى لبنان بطرح ما»، وهو ما ترك أسئلة متجددة حول إذا كان الحوار بهذه الحال، أياً كان شكله وهل تحت عباءة بري أو لودريان، سيشكل «الحمّالة» التي تَخرج على متنها التسوية الرئاسية، فإنها توقفت عند 3 مواقف:
باسيل
الأول لرئيس «التيار الحر» جبران باسيل الذي أعطى إشارةَ تراجُع أمام «حزب الله» في كلمة له أول من أمس، إذ عَدَل عن اشتراط أن يُفْضي حوارَه مع الحزب إلى إقرار مسبق في البرلمان لقانونيْ اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني مقابل السير بفرنجية واكتفى بالموافقة على أن يأخذ وعْداً بأن يكونا أولوية في العهد المقبل مع اعتماده تسمية «اللامركزية الإنمائية»، من دون أي ذكرٍ للمالية الموسعة.
وثمة مَن تعاطى في دوائر غير بعيدة عن «الممانعة» مع موقف باسيل على أنه في إطار إيجاد «السلّم للنزول عن الشجرة» بعدما استشعر بأن حظوظ قائد الجيش باتت جدية هو الذي «يعتبر أن وصول العماد جوزف عون سيكون أقرب الى اجتثاثٍ لنفوذه داخل التركيبة».
ولفت هؤلاء إلى أن بري مازال يعتبر فرنجية خطاً أحمر ويراهن على أن باسيل «بدأ يكوّع وهو يلعب ضمن المربّع المقبول حتى الساعة، بعدما وجّه رسالةً لحزب الله عبر دعمه أزعور بأنه من دوننا لا يمكنكم إيصال رئيس»، كاشفين في الوقت نفسه أن الحزب «من الآن وصاعداً بات يخوض الحوار مع التيار الحر على قاعدة أن أي وعود له تُلْزِم الحزب حصراً والطرفين دون ثالث لهما»، وهو ما يمكن أن يتغيّر فقط ما أن ينتقل باسيل إلى «ضفة السير بفرنجية إذ حينها تُفتح مسارات أخرى لحوارات مكمّلة».
جعجع
والثاني لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي عاد في حديث الى صحيفة «النهار» لمعادلة «فرنجية – أزعور» في ضوء رفْض الممانعة البحث في الخيار الثالث.
وقال جعجع في ضوء خلاصات زيارة لودريان، إن «أجواء دول اللقاء الخماسي تشير إلى أنه جاء الوقت للانتقال إلى مرشح ثالث»، موضحاً أن «هذا ما جعلني أقول إن ثمة مُستجداً من شأنه تحريك الأوضاع إيجاباً، لكن ما حصل أن فريق(الممانعة)رفض هذا الطرح بشكل تام».
وأضاف «للأسف لا نزال في النقطة ذاتها لأن فريق الممانعة رفض التخلي عن ترشيح فرنجية ولا يملك القوة لإيصاله. وكل ما سمعناه في الطرح الملهاة المسمى الحوار بات معلوماً أن محور الممانعة يقصد فيه مجرّد ربح الوقت وسحب البساط من اللجنة الخماسية التي كانت تسعى للتوصل فعلياً إلى مبادرة لها علاقة بالتحاور، لكن محور الممانعة أفشلها مرّة إضافية».
وإذ أكد رفْض مسايرة «الممانعة» في تبني مرشحها أو الاستمرار في لعبة المراوحة، أعلن «أن لا حلّ سوى، إما جهاد أزعور وإما سليمان فرنجية ولا وجود لحلّ ثالث لأن الممانعة، رفضت البحث في حلّ ثالث».
موسكو
– أما الثالث، فهو للسفير الروسي ألكسندر روداكوف الذي أعلن في بيان أن «لبنان ينتظر حواراً سياسياً صريحاً».
وقال «إن المبادئ الأساسية لهيكلية الدولة اللبنانية، تتضمّن التعايش السلمي بين جميع فئات المجتمع المتنوع. ومنذ إبرام الميثاق الوطني، اتسم هذا التعايش بروح حسن الجوار وتحقق بفضل التوافق والتفاهم المتبادل بين القوى السياسية والدينية الرائدة في البلاد».
وأضاف: «منذ ذلك الحين، تغير الكثير في حياة اللبنانيين. أما ما لم يتغيّر لديهم فهو حبهم لوطنهم الذي يريدون الحفاظ عليه لأنفسهم ولأبنائهم. إن الطريق إلى استعادة السلام والاستقرار، اللذين يمنحان الفرص للتغلب على أي أزمة، يتحقق، كما كان من قبل، من خلال حوار مفتوح وصادق بين الأهالي الوطنيين في هذا البلد. فبهذه الطريقة فقط يمكن التوصل إلى حلول للقضايا الملحة على جدول الأعمال الوطني، وضمان تعزيز سيادة البلاد واستقلالها. فعلى لبنان أن يأخذ مكانه الصحيح في عالم عادل متعدد الأقطاب، آتٍ ليحل محل النموذج الاستعماري الغربي للعلاقات بين الدول».
وختم روداكوف: «وباعتبارها أحد مراكز النظام العالمي الجديد، تدعم روسيا باستمرار وبإخلاص، كل جهود تهدف إلى المحافظة على الأداء الفعال لآليات الدولة اللبنانية، دون أي تدخل أجنبي».
واشنطن
في موازاة ذلك، كانت نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند تدعو «الأطراف اللبنانية الى الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، مشددة على«أن واشنطن تدعم أي حوار لبناني – لبناني في هذا الصدد».
هذا الموقف نقله المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي استهلّ لقاءاته في نيويورك حيث يترأس وفد لبنان إلى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة باجتماع مع نولاند التي طالب أمامها «المجتمع الدولي بدعم لبنان لمعالجة أزمة النازحين السوريين، التي بات تَعاظُمها يشكل خطراً على لبنان ونسيجه الاجتماعي».
وإذ دعت نولاند لبنان الى «تفعيل التعاون مع المنظمات الدولية وخاصة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمعالجة ملف النزوح السوري المستجد وكل جوانب هذا الملف»، شددت «على ان واشنطن تدعم الجيش اللبناني»، معتبرة «ان من الضروري استكمال الاصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية».