تسعى الحكومة اللبنانية إلى استحداث ضرائب ورسوم جديدة بعدما زادت بمعدلات كبيرة وصلت إلى 30 ضعفَ الضرائب والرسوم الموجودة، وذلك لتوفير الإيرادات الكافية لسداد النفقات المتوجبة عليها لاسيما رواتب وأجور العاملين والمتقاعدين والتي تقارب 130 ألف مليار ليرة. غير أنّها، في المقابل، تتساهل وتتنازل عن إيرادات مهمة من إشغالات أملاكها العامة أو تلزيم استثمار بعض المرافق الحكومية كالبريد مثالًا، والتي رفضها ديوان المحاسبة.
وعرض وزير الاتصالات جوني القرم على ديوان المحاسبة بتاريخ 9-8-2023 وفقًا للقانون الذي يفرض إجراء الرقابة الإدارية المسبقة على عقود التلزيم، موضوع تلزيم أعمال تشغيل البريد لمدة 9 سنوات.
جاء هذا التلزيم بعد فشل عمليتي تلزيم سابقتين ما دفع وزارة الاتصالات في المرة الثالثة إلى تعديل دفتر الشروط في الجزء المتعلق بمؤهلات العارضين ومعايير التقييم.
لذا تمّ السماح بمشاركة الشركات الحاصلة على التراخيص اللازمة بمهامها التشغيلية وحدّد موضوع الترخيص بنقل مواد المراسلات و/ أو الطرود و/ أو الطرود البريدية و/ أو الرزم الصغيرة، في حين كان دفتر الشروط يشترط، قبل هذا التعديل، أن يكون لدى العارض الخبرة في تقديم وتشغيل الخدمات والمنتجات البريدية والخدمة الشمولية وإدارة المرفق على صعيد بلد أو مقاطعة وليس الترخيص وحسب.
ويبرّر وزير الاتصالات أن الهدف من تعديل دفتر الشروط هو الحصول على أوسع مشاركة في عملية التلزيم مما يؤمن المنافسة والشفافية.
كما أُطلقت المزايدة الثالثة على أساس دفتر الشروط المعدّل، وجرت عملية التلزيم بتاريخ 12-7-2023 بعد أن تمّ الإعلان عنها في 6-6-2023 على الموقع الالكتروني لهيئة الشراء العام.
وتقدّم عارض وحيد وهو الائتلاف ما بين شركة Merit invest ش.م.ل. وشركة Prive France Colis، أي العارض عينه الذي تمّ رفضه في المزايدة الثانية (قبل تعديل دفتر الشروط) “لأنّه غير مؤهل لتشغيل المرفق العام البريدي”.
أمّا الإيرادات فكانت 12%، وتزاد كل 3 سنوات بنسبة 0.5% من عائدات الخدمات البريدية وغير البريدية المقدمة من قبل المشغل بصورة حصرية وغير حصرية.
وقد رأت هيئة الشراء العام عدم التعاقد مع هذا التحالف من الشركتين “لأن العرض الذي قدمته في المزايدة الثانية لا ينطبق على دفتر الشروط الخاص الذي تمّ تعديله قبل إطلاق المزايدة الثالثة” ما يعني بكل وضوح أن دفتر الشروط تمّ تعديله لمصلحة الشركتين كي تتمكّنا من الفوز بالمزايدة.
وأضافت ما حرفيّته “دفاتر الشروط والعقود المرفقة حملت الكثير من الأخطاء والاستنسابية والغموض والتباينات ما يجعلها دون المستوى المطلوب لتلزيم إدارة وتشغيل قطاع حيوي ولمدة تسع سنوات”، وأن المديرية العامة للبريد لم تضع دراسة مالية واقتصادية واضحة لسوق الخدمات البريدية بكل متفرعاته.
وما يلفت أن العارض قدّم عرضه خلال مدة قصيرة (5 أسابيع) لا تمكّنه من الاطلاع الكافي على واقع البريد وعلى التحديات المطلوبة منه، ما يعني أنه قدم عرضًا شكليًا بينما المهلة كان يجب ألّا تقل عن 12 أسبوعًا بالنسبة للصفقات المعقدة ووفقًا للمبادئ التوجيهية للبنك الدولي، الصادرة عام 2014.
في حين بيّنت الدراسة حول تقاسم الإيرادات المتوقعة أن هناك ضررًا قد يلحق بالخزينة بقيمة 5 ملايين دولار أميركي.
وبناء على كل ما سبق، قرّر ديوان المحاسبة عدم الموافقة على إرساء التلزيم والطلب من وزارة الاتصالات “العمل ومن دون إبطاء على إطلاق مزايدة جديدة بعد صياغة دفاتر الشروط بطريقة واضحة وموضوعية وعلمية خالية من الغموض والأخطاء على أنواعها”.