كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
تتفق الدول الخمس على الحوار وتختلف على الرئيس، فيما الافرقاء اللبنانيون يختلفون على الحوار والرئيس معاً. النتيجة واحدة ان لا انتخاب قريباً. لا الخارج قادر على التفاهم على مرشح لفرضه ولا يريد، ولا الداخل في وسعه الاتفاق على رئيس ينتخبه.
فضّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي عدم التعليق على نتائج اجتماع الدول الخمس في نيويورك الثلثاء. لم يُجب سائله هل اشعره فشل الاجتماع بالاحباط «مع ان الدول الخمس كلها مع الحوار الذي ادعو اليه». لم يشأ القول ايضاً هل عاد الاستحقاق الرئاسي الى النقطة الصفر ام لا يزال فيها في الاصل. توقف عند التباين الذي انتهى اليه الاجتماع بالقول: «كان عليهم التوسط بين اللبنانيين، اذا هم في حاجة الى مَن يتوسط بينهم». يضيف: «لستُ معنياً الا بما افعله هنا. التحضير للحوار شغلي الشاغل. الاتصالات جارية خصوصاً مع النواب المستقلين لانخراطهم فيه في انتظار ان يقرر جبران باسيل خفض حمولته».
يقول رئيس المجلس: «عندما اتى سفراء الدول الخمس اليّ في المرة الاولى، قلت لهم اننا نشكرهم على مؤازرتهم لنا لانتخاب الرئيس الذي نختاره نحن ولا يختارونه لنا. هذا الكلام اعيد تكراره. نشكر تعاونهم على ما نرضاه نحن وليس ما نرتضي به».
على انه لا يخفي استغرابه لرفض كتل ونواب دعوته الى الحوار من اجل انتخاب الرئيس «فيما يعوّلون على حوار الخارج لانتخاب الرئيس او فرض مرشح او استبعاد آخر». لم يسعه سوى الاستشهاد بالآية القرآنية القائلة: «افلا يتدبرون أم على قلوب أقفالها».
أخفق اجتماع الدول الخمس في نيويورك في مدّ اللبنانيين والاستحقاق الرئاسي بالذات بجرعة تفاؤل لاخراجه من مأزقه، بأن اغرقوه في مزيد من التشاؤم. ثلاث علامات سلبية ارسلها الاجتماع:
أولها تدني مستوى المشاركة فيه الى رتبة سفراء ومستشارين فيما وزراء خارجية الدول الخمس حاضرون في نيويورك. اثنان منهم الاميركي والسعودي اختارا اجتماعاً اكثر اهمية بالنسبة اليهما ناقش مع نظيرهما الاماراتي موضوع اليمن.
ثانيها عدم صدور بيان رسمي يكمل ما يُفترض ان المشاركين مدعوون اليه بعد اجتماع الدوحة للتوصل الى مرشح ثالث للرئاسة، وكانوا اتفقوا في اجتماعهم الثاني على المواصفات.
ثالثها اكتفاء الاجتماع بـ32 دقيقة فقط.
رابعها تبديد مسحة ايجابية كان اوحى بها الموفد الفرنسي الخاص جان ايف لودريان في خلال جولته الثالثة في بيروت اخيراً عندما تحدث مرة عن ان المرشحيْن الحالييْن سليمان فرنجية وجهاد ازعور فقدا حظوظهما، ومرة بكلامه عن الحاجة الى المرشح الثالث، ومرة ايضاً بتأييده الحوار الذي ينادي به رئيس البرلمان. لم يقدم اجتماع نيويورك اي اضافة مكملة لأي من المعطيات الثلاثة التي تحدث بها لودريان. اما الحصيلة الفعلية للاجتماع فليست سوى تصوير الدول الخمس على انها صورة طبق الاصل عن الانقسام القائم في الداخل حيال الرئيس المقبل.
مع ذلك ترك الاجتماع اكثر من دلالة جديدة الى ان انتخاب الرئيس ينتظر مزيداً من الاستمهال متقاطعاً مع إشارات محلية مستجدة:
1 ـ ليس انتخاب الرئيس مؤجلاً فحسب بل كذلك الخيارات. عندما اصدرت الدول الخمس بيان المواصفات في اجتماع الدوحة اوحت بأن مَن تعنيه لا يشبه اياً من المرشحيْن الاخيرين في جلسة 14 حزيران وهما فرنجية وازعور، مفسحة في المجال امام تكهنات تنبىء بأن الاوان حان للخوض في الرجل الثالث. الواقع ان لا مرشحاً ثالثاً برسم التوافق عليه الآن وفي وقت قريب على الاقل، فيما الاستحقاق سيظل يدور من حول فرنجية على انه الحل لدى الثنائي الشيعي والمشكلة لدى خصومه، دونما ان يصدر عن اي من الدول الخمس موقف رسمي علني حيال استمرار ترشيحه او تجاوزه.
2 ـ اعلان قائد الجيش العماد جوزاف عون اخيراً انه غير معني بالاستحقاق ولم يفاتحه فيه احد. من دون ان يكون معنياً مباشرة به، اضحى جزءاً لا يتجزأ منه وما يدور في فلكه بحكم امر واقع مألوف في كل انتخاب رئاسي سواء تحمّس قائد للجيش له او دُفع اليه دفعاً. ليس خافياً انه في صلب الاتصالات الدائرة من حول الاستحقاق. كل زائر مهتم يحضر لا يوفر مقابلته، آخرهم لودريان مع ان الموفد الزائر خصص جولته للكتل المعنية بانتخاب الرئيس او الناخبة له في مجلس النواب. ليس قائد الجيش من بين هؤلاء ولا هو مرشح علني سوى في الحلقة المحيطة به. يُفسَّر الموقف الاخير له نائياً بنفسه عن الاستحقاق، تداول اسمه بوفرة في الاسابيع الاخيرة على انه المنافس الجديد لفرنجية بعد النائب ميشال معوض وازعور، وتالياً مقاربته كسلفيْه على انه مرشح تحد ثالث. عند البعض السيىء النية انه وحده كفيل بطرد فرنجية من المعترك. يصعب الاعتقاد بأن قائد الجيش رامَ اخيراً اعلان انسحابه من الاستحقاق في توقيت لم يفقد فيه فرصته، مقدار ما توخى تخفيف وطأة التداول ذاك.
لا يصح في قائد الجيش ما يقال عن مرشحين آخرين رؤساء احزاب ونواب ووزراء حاليين او سابقين انه مرشح طبيعي في اي جلسة يعقدها البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية. لا يملك ان يترشح ولا ان يُرشَّح قبل ازالة المانع الدستوري في طريقه في المادة 49 سواء كان في الخدمة او في التقاعد. ذلك ما يعني ان حظوظه غير متساوية مع المرشحين الطبيعيين الآخرين. مقدار ما يسهل وصول اي من اولئك بآلية الانتخاب في اي جلسة يكتمل نصابها، لا يسع قائد الجيش – كما اختبر اكثر من واحد من اسلافه – ابصار نفسه رئيساً سوى بعد مشكلة امنية جسيمة او تحوّل سياسي كبير يخلّ بتوازنات الداخل.
3 ـ كما تنظر ايران اليه على انه أثمن اوراقها في المنطقة يصعب تخليها عنه ومقايضته، ينظر حزب الله الى دعم ترشيحه فرنجية الموثوق به على انه اليوم أثمن اوراقه يصعب تخليه عنه. تشبثه بفرنجية ينطوي على حقيقة مشابهة لما اراده مع انتخاب الرئيس ميشال عون: امساكه بهوية الدولة في السنوات الست التالية في العهد الجديد، المعبَّر عنها برئيس الجمهورية. لأنه يعدّ نفسه لاعباً اقليمياً يوازن الاحجام التي يواجهها، لن تفسّر خسارته مرشحه سوى انها خسارة جولة اقليمية. ذلك مغزى ان عامل الوقت في الشغور يصبح اقل اهمية في حسبان حزب الله. اضف ان المرة الاولى جرّب الوقت المستطال اكسبته انتخاب مرشحه عام 2016.
4 ـ على طرف نقيض مما يصر عليه حزب الله، فإن مَن يصغي الى سفراء دول نافذة في لبنان معنية به يتحدثون في منحى معاكس بكليته. ما يقوله هؤلاء ان فرنجية فقد نهائياً فرصة انتخابه، وان حزب الله اخذ علماً بهذا الموقف من لودريان بالذات بانعدام حظوظ مرشحه. لم يفصح الموفد الفرنسي بوضوح كامل عن ميله الى مرشح ثالث سوى في لقاء السفارة السعودية مع السفير وليد البخاري ومفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في حضور نواب سنّة. ما ذكره امامهم لم يأتِ عليه لدى مقابلته رئيس مجلس النواب مرتين، ولا كذلك في الاجتماع الذي عقده مع فرنجية المعني الاول. حينذاك قال ان ما آل اليه الاستحقاق الآن اطاحة فرنجيه وازعور معاً. نُقِل ايضاً عن البخاري قوله: «اخيراً وصل الفرنسيون الى ما كنا نقول به نحن».