كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:
تقف الكتل النيابية اللبنانية في حيرة من أمرها في تقصيها عن الأسباب الكامنة وراء عدم صدور بيان عن «اللجنة الخماسية» (السعودية وقطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة) في ختام اجتماعها في نيويورك، استناداً إلى ما تبلغته في هذا الخصوص من الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، عن زيارته الثالثة إلى بيروت في محاولة لتهيئة الظروف أمام انتخاب رئيس للجمهورية، على أن يستكمل مهمته في زيارة رابعة يقوم بها في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وفي هذا السياق، تطرح مصادر نيابية مجموعة من الأسئلة تجد صعوبة في الإجابة عنها، تتعلق بخفض مستوى التمثيل في اجتماع اللجنة الخماسية في غياب وزراء خارجية، وباستغراق الاجتماع نحو 35 دقيقة، رغم أن لودريان كان ينظر إلى الاجتماع كونه يشكّل رافعة أممية لمهمته التي يستكملها في زيارته الموعودة للبنان، لكنه فوجئ بأن رهانه لم يكن في محله.
ورغم أن المصادر النيابية تفتقر إلى المعطيات السياسية التي كانت وراء عدم صدور البيان المنتظر عن «اللجنة الخماسية»، ولا تأخذ بالتفسيرات التي يجري التداول فيها لانقطاع تواصلها حتى الساعة مع اللجنة الخماسية، فإن رد فعلها الأوّلي، كما قالت لـ«الشرق الأوسط»، يدفعها للسؤال: هل آن أوان التسوية لإخراج انتخاب رئيس للجمهورية من دوامة التعطيل أم لا؟ وإن كانت تعتقد للوهلة الأولى أن تقطيع الوقت يبقى هو السائد حتى إشعار آخر.
وتتعامل المصادر نفسها مع عدم صدور بيان عن اللجنة الخماسية على أنه بمثابة مؤشر إلى أن الظروف الخارجية المعنية بانتخاب الرئيس ليست ناضجة على المستويين المحلي والدولي. وترى أن المداولات غير الرسمية التي جرى تسريبها عن الأجواء التي سادت اجتماعها، توحي بأن الدول الأعضاء فيها لا تتحرك على موجة واحدة، وأن التناغم بداخلها لا يزال مفقوداً، بخلاف تلك التي سادت اجتماعها في الدوحة الذي انتهى إلى إصدار بيان حُدّدت فيه المواصفات التي يُفترض أن يتحلى بها الرئيس العتيد.
وتسأل: هل بادر أحد الأعضاء في اللجنة بالانقلاب على هذه المواصفات؟ وما مدى صحة خروج الخلاف بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية ومصر وقطر من جهة، وبين فرنسا من جهة ثانية، إلى العلن؟ وهل يُضاف ذلك إلى التباين داخل الفريق الفرنسي المكلف مواكبة الاتصالات لإنهاء الشغور الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد لأن الفراغ أصبح مكلفاً للبنان؟
كما تسأل عمّا إذا كان مصدر الخلاف داخل «اللجنة الخماسية» مردّه إلى أن المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل لا يزال يعمل على تسويق مقايضة انتخاب رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، في مقابل تكليف السفير السابق نواف سلام بتشكيل الحكومة، رغم أن لديه وجهة نظر أخرى قد لا تتفق مع المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى؟
ومع أن الكتل النيابية المعارضة رأت أن مجرد تكليف لودريان بمهمة إخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزُّم، يعني من وجهة نظرها أن تكليفه من الرئيس إيمانويل ماكرون ينمّ عن رغبته في تصويب المبادرة الفرنسية وتقديمها إلى الكتل النيابية في نسخة جديدة، غير تلك التي أعدها دوريل وقوبلت برفض منها، تكشف المصادر النيابية أن لودريان لم يتمكن من إحداث نقلة نوعية تفتح الباب أمام تسجيل اختراق في الحائط الرئاسي المسدود الذي يعطّل انتخاب الرئيس. وتقول، نقلاً عن قيادات في المعارضة، إنه لم يكن مضطراً لتأييد مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدعوته للحوار لمدة أسبوع يليه عقد جلسات متتالية لانتخاب الرئيس، ما دام «الثنائي الشيعي»، (حزب الله، وحركة أمل)، لا يزال يقفل الأبواب أمام الانتقال إلى الخطة «ب» للبحث عن خيار رئاسي ثالث بإخراج فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، من السباق إلى رئاسة الجمهورية، وذلك إفساحاً في المجال أمام الكتل النيابية للتلاقي على المرشح الذي لا يشكّل تحدياً لأي فريق، ويتحلى بالمواصفات التي حددتها الخماسية.
وتقول المصادر، وبعضها محسوبٌ على المعارضة، إن لودريان بدلاً من أن يبادر إلى تصويب المبادرة الفرنسية، كما تعهد في زيارته الأولى لبيروت، راح يُغرق نفسه في دوامة المراوحة القاتلة، ويحاول أن يوفّق بين المعارضة و«محور الممانعة»، رغم أنه يدرك أن هناك صعوبة في جمع الأضداد تحت سقف واحد.
وتؤكد أن «اللجنة الخماسية»، باستثناء فرنسا، ارتأت أن المدخل لإخراج الحراك الرئاسي من المراوحة يكمن في أن يتولى لودريان إدارة اللقاءات النيابية، أكانت ثنائية أو ثلاثية، بحثاً عن الخيار الثالث تحت إشراف «اللجنة الخماسية»، لكنَّ هذا لم يحصل، كونه حاول أن يوفّق بين رفض المعارضة دعوة بري للحوار وبين تأييده دعوته.
ويبقى السؤال عن إمكان تعويم مهمة لودريان؟ وهل أن عدم صدور بيان عن «الخماسية» إنذار لباريس لتعيد النظر في مقاربتها الرئاسية وتبنّيها بلا تردد خريطة الطريق التي كانت قد رسمتها في اجتماعها في الدوحة؟ أم أن باريس ستُخلي الساحة لقطر مع وصول موفدها أبو جاسم فهد آل ثاني إلى بيروت؟
وإلى أن يتبيّن المسار العام للخطوة الخماسية المرتقبة، فإن دعوة بري للحوار ما زالت قائمة، لكن يتوقف مصيرها على ضم لون مسيحي فاعل لمؤيدي الحوار والمقصود به رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يضيف يومياً بنداً جديداً إلى مقاربته الرئاسية، مما يصعّب ملاقاته في منتصف الطريق، من دون أن نُغفل ردود الفعل على رفض البطريرك الماروني بشارة الراعي للحوار، مشترطاً انتخاب الرئيس أولاً، تطبيقاً لما هو منصوص عليه في الدستور. وبهذا يكون قد وضع «لا» كبيرة أمام الحوار يصعب على الكتل المسيحية تخطيها.