كتب جو لحود في “النهار”:
“لن نسكت عن تغييب الرئيس المسيحي الوحيد”، عبارة من ضمن سرديّة واسعة من السلبيات التي من غير المقبول السكوت عنها بعد اليوم، جاءت ضمن العظة الأخيرة التي أدلى بها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي خلال جولته الرعويّة في أوستراليا.
وجولة الراعي الأوستراليّة ونداؤه الى أبناء الجالية اللبنانيّة فيها “لتسجيل نفوسهم في السجلات اللبنانية حتى يحافظوا على وجودهم”، أتيا بالتزامن مع شبه استعصاءٍ داخليّ في ما يتعلّق بإنهاء الشغور الرئاسي ومع شبه عدم تفاهم وتناغم دولي في ما يتعلق بكيفيّة إنهاء هذا الشغور.
وفي ظل هذه المشهديّة، عاد الحديث عن حراك فاتيكاني، يسعى بدوره لإنهاء الدوران في الحلقة المفرغة بحثاً عن رئيس قادر على السير وسط التناقضات اللبنانيّة والعناوين السياسيّة والاقتصاديّة المعقدة التي تتشابك بين ملفات: النزوح السوريّ، الاستراتيجيّة الدفاعيّة ومعضلات الإصلاح الاقتصاديّ المطلوب.
في هذا السياق، أكّد النائب العام البطريركي المطران سمير مظلوم في حديث مع “النهار” أنّ “مواقف البطريركية المارونيّة والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي من الشغور الرئاسي واضحة وصريحة منذ لحظة حدوثه، لا بل منذ ما قبل حدوثه، والموقف في هذا المجال يدعو إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهوريّة من دون أي تأخير وذلك حفاظاً على الدستور اللبنانيّ وانتظام الحياة العامة في لبنان، بالإضافة إلى الإسراع في معالجة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة المتمادية”.
وأضاف: “على الرغم من دعوة البطريركيّة المارونيّة وتشديدها على ضرورة الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إلا أنّ فعل الانتخاب هو ليس من ضمن صلاحياتها، فالبطريركيّة المارونيّة لا تنتخب الرئيس، ولا تعيّن الرئيس ولا تسمي الرئيس.
وانطلاقاً من هنا يبدو الإهمال سيد الموقف عند النواب وعند مختلف الأحزاب والتيارات السياسيّة الذين لا يقومون بالدور المطلوب منهم لجهة انتخاب رئيس للجمهوريّة، وفي كل الأحوال سمة اللامسؤوليّة ليست بجديدة على أصحاب القرار في لبنان الذين بفعل ممارساتهم منذ عشرات السنين وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم في لبنان.
لذلك يمكن القول إنّ الواقع الحالي في لبنان والشغور الرئاسي المستمر هو نتيجة، أسلوب الحكم الخاطئ الذي تمّ اعتماده، بالإضافة إلى الأنانية والسرقات المتمادية والتعدي على المال العام”.
وعن المخاوف المتعلّقة بالمواقع المسيحيّة التي تدخل في دوامة الشغور، بدءاً من رئاسة الجمهوريّة، فحاكميّة مصرف لبنان، ووصولاً الى قيادة الجيش، رأى المطران مظلوم انّ “الخوف الحقيقي في لبنان ليس على المسيحيين وحسب، إنما على كلّ اللبنانيين من دون استثناء، وعلى الفكرة اللبنانيّة الأساسيّة”.
فلبنان الكبير الذي عمل من أجل قيامه المثلّث الرحمة البطريرك الياس الحويّك، ليس هدية من الفرنسيين إلى الموارنة كما يعتقد ويظن البعض، إنما هو نتيجة نضال كل اللبنانيين من أجل تحقيق الاستقلال وقيام بلد يكون رمزاً للتعدديّة، الحريّة، المساواة، واحترام الآخر بغض النظر عن معتقده وانتمائه.
من هنا نقول إنّ الأجيال المتتاليّة عملت على ترسيخ الصورة المُشار إليها عن لبنان، فأين نحن اليوم من هذه الصورة؟ وأين نحن من لبنان الذي أردناه والذي نأسف للحالة غير المسبوقة التي بلغها اليوم”.
وحول إمكانية دخول الفاتيكان على خط الشغور الرئاسي بشكل واضح عبر موفدين أو تحركات فاتيكانيّة في الداخل اللبناني، أشار المطران مظلوم الى أنّ “التنسيق قائم بشكل أكيد بين بكركي وروما، والهم اللبناني لم يغب يوماً عن بال قداسة البابا فرنسيس، لكن حتى الساعة لم نسمع رسمياً عن أي حراك فاتيكاني مستجد أو عن قدوم موفد من روما إلى لبنان.
وفي هذا المجال، سيزور البطريرك الراعي روما في الأيام القليلة المقبلة، وسيلتقي مع كافة المسؤولين عارضاً مختلف المسائل المرتبطة بالملف اللبناني، وبعد الزيارة المتوقعة للبطريرك إلى روما يمكن أن تصبح الصورة أكثر وضوحاً لناحية طبيعة المساعدة الفاتيكانية الممكنة للبنان في ما يخص الملف الرئاسي وإنهاء الشغور الذي يعاني منه”.