كتبت جويل رياشي في “الأنباء الالكترونية”:
“المونة” عادة لبنانية تترافق مع نهاية فصل الصيف، ويقوم هذا التقليد اللبناني السنوي على تحضير مسبق لمواد غذائية بغية استخدامها في فصل الشتاء، حيث اعتاد سكان القرى البقاء في منازلهم والتقنين من حركة تنقلاتهم جراء الأحوال الجوية الشتوية التي تفرض عليهم إقامة قسرية في البيوت، والتحرك بهامش ضيق في الأحياء المجاورة داخل القرية.
تتكون المؤن من مجففات الفاكهة وأنواع مختلفة من المربى واللبنة «المكعزلة» وكذلك الزعتر الممزوج بالسماق والسمسم إلى العصائر وأنواع الخل والـ compote وغيرها، أما الكشك فهو صنف لبناني شهير موجود في كل بيت في القرى اللبنانية، وهو مؤلف من اللبن المجفف والبرغل ويستغرق تحضيره أياما عدة.
هذه بعض مأكولات القرية التي نزلت إلى المدينة تلبية لرغبة السكان في تناول أصناف بلدية محضرة بعناية من ربات البيوت على طريقة الجدات. وبين القرية والمدينة، تطور التحضير وتحول إلى «بزنس» على صعيدين ضيق وواسع.
في هذا الإطار ومع الضائقة الاقتصادية التي ضربت البلاد في شكل غير مسبوق منذ خريف 2019، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لجأ كثيرون وخصوصا النساء إلى الترويج لمنتوجاتهم عبر صفحات على «فيسبوك» أو «انستغرام»، فتخطى البيع الأحياء والبلدات والقرى، واعتمد كثر على خدمة التوصيل داخل البلاد وحتى الخارج.
تعدت بضائع المونة الكشك والزيت والزيتون والمربات إلى مأكولات تعتمد على الحبوب والبهارات البلدية والدبس (عسل اسود) والعسل الطبيعي والصابون البلدي والسماق والسمسم.
ودخل «الديكور» على الخط بتوضيب المنتوجات في أوعية زجاج أو بلاستيك (مراطبين باللغة اللبنانية)، ووضعت عليها لاصقات تخصصت شركات صغيرة في إنتاجها، فبات المستهلك أمام سوق واسع للاختيار، وقد ارتبط زبائن ببائعين وجمعيات بعد ارتياحهم للمنتوجات عبر السنين، فضربوا مواعيد سنوية للشراء، سواء بالتوجه شخصيا إلى الأمكنة أو المعارض الخاصة حيث تعرض المنتجات أو في تلقيها عبر خدمة التوصيل.
سوق المونة بات واسعا بين اللبنانيين، كل على قياسه في حركة البيع والاستقطاب وتحصيل مداخيل تعين على مواجهة موسمي الخريف والشتاء، وما يتخللهما من مصاريف مدرسية وجامعية للأولاد، ومداخيل تعتمد عليها الأسر لوقت طويل من السنة، خصوصا تلك التي لا تزاول أعمالا أخرى.
إلا ان الصحيح في أيامنا هذه ان “المونة” باتت مدخولا إضافيا لغالبية العائلات التي تعمل بها، خصوصا ربات البيوت المقيمات في المدن والقرى على ارتفاع متوسط.
أمثلة كثيرة لعاملات في هذا السوق، بينهن الشقيقتان صباح ونجاح عقل من بلدة شامات الجبيلية اللتان فتحتا محلا خاصا ببيع المؤن والمنتوجات البلدية أطلقتا عليه اسم والدتهن “إم زخيا” (تسعينية رحلت منذ عامين)، البيع موزع بين المحل في بلدة عمشيت والمنزل لمن يعرفه من الزبائن خارج دوام العمل نهارا.
من جهتها، دخلت ماري رزق سوق المونة في بدايات جائحة “كورونا” علما إنها أخصائية تجميل، وشكلت المداخيل عاملا مساعدا لها في تأمين مصروف عائلتها. توزع نشاطها بين صالون التجميل الخاص بها في بلدة غرفين الجبيلية و”مونة جدودنا” التي تستقطب ليس فقط زبونات الصالون بل أيضا بيوت ضيافة وفنادق، علما إنها تشارك بمنتوجاتها في معارض عدة للمونة في قضاء جبيل وخارجه.
أما يسرى بسترس شديد فقد وسعت تجربتها في هذا المجال بتنظيم معرض للمونة في بلدة خربة قنافار بالبقاع الغربي، ويشهد المعرض سنويا نفادا لبضائع تعدها معتمدة على مواد أولية بقاعية، ويصل الأمر إلى حجوزات مسبقة ولاحقة للحصول على منتوجات بعد تبيان جودتها ومذاقها الطيب، خصوصا تلك التي تتخطى المونة اللبنانية التقليدية كالصلصات الإيطالية أو الـ chutney الهندي المصنوعة من فاكهة البقاع وخضراواتها، وتحول معرض خربة قنافار للمونة موعدا سنويا ينتظره “الزبائن ـ الأصدقاء”، ليس فقط للتبضع إنما لزيارة المنطقة التي تتجلى في أبهى حللها وألوانها في فصل الخريف.
والتجربة عينها تتكرر مع «أم نادر» المتقاعدة من التعليم الرسمي، والتي دخلت السوق مع سيدات من بلدتها النبطية في جنوب لبنان ببيع مؤن، بعدما اعتادت سابقا تحضير حصص بيتية والتوزيع على أبنائها المقيمين في لبنان والخارج.
بين مبادرات الأفراد والشركات، وصل الأمر إلى تخصص بلدات في إنتاج أصناف معينة من المؤن، أبرزها الزيت المعصور من الزيتون الأخضر والزيتون المكبوس، والتنافس على أشده بين محافظة الجنوب وخصوصا قضاء مرجعيون ـ حاصبيا ومحافظة الشمال حيث قضاء الكورة المعروف بـ «أرض الزيتون»، يفاخر أهل القضاءين كل بنوعية منتوجاته، في حين ان بلدات متوسطة الارتفاع في مناطق أخرى تروج لمنتوجاتها من طريق الإشارة إلى مواصفات بيئية لقطف الزيتون وعصره قبل زخات المطر الأولى، ما يجعل مذاق الزيت حادا (مر الطعم، وهو الأفضل والأغلى سعرا).
الأكيد ان المونة تعدت المأكولات الريفية البسيطة إلى سوق يتسع ويضيق وفقا لحركة التصريف والدعاية التي ترافقها، علما ان الجودة تحل في المرتبة الثانية بعد «الماركتينغ» في أيامنا هذه، حيث الغلبة لمن يصل أسرع ويبيع أكثر في الأسواق.