تقرير ماريلين عتيّق:
دخل لبنان رسميًّا دائرة الخطر، مع ارتفاع مؤشر خطر اندلاع الحرائق، والذي يهدد ما تبقى من ثروة حرجية يتغنى بها هذا الوطن، فحرائق الغابات باتت حدث يتكرر سنويًّا منذ عدة أعوام. ولا شك أن النيران تجتاح العديد من بلدان العالم، لكن لبنان من أقل الدول جهوزية في مواجهة “جهنّم” الطبيعة. فهل “لبنان الأخضر” يحتضر بيئيًّا؟
في حديث لموقع IMLebanon، أوضح مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند، الدكتور جورج متري، أن “هناك أسبابًا غير مباشرة تؤدي إلى ارتفاع مؤشر خطر الحرائق في لبنان خلال هذه الفترة من السنة، ومنها أننا أصبحنا في نهاية فترة الجفاف التي تمتد من فصل الربيع حتى بداية شهر تشرين الثاني، حيث نسبة الرطوبة في الغطاء النباتي والتربة تكون متدنية، ما يجعل أي مصدر للنار يشكل خطرًا على الغابات”.
وأضاف متري: “أما السبب المباشر والأساسي، فهو عوامل الطقس المسهلة لتمدد النيران بشكل سريع، ومنها الرطوبة المتدنية وسرعة الرياح والحرارة المرتفعة، ما يسبب حرائق لا يمكننا السيطرة عليها”، لافتًا إلى أن “الأهم في هذا الموضوع هو الوقاية، وعدم استعمال أي مصدر للنار من قبل الإنسان”.
وأعلن أنه “بحسب مؤشر خطر اندلاع الحرائق الذي يصدر عن مختبر الحرائق في جامعة البلمند، تبين أن النصف الجنوبي من لبنان معرض أكثر من غيره لأعلى مستويات الخطر من حرائق الغابات، أي بدءًا من قضاء عاليه مرورًا بقضائَي جزين والنبطية وصولًا إلى قضاء بنت جبيل، بالإضافة إلى غابات قضاء عكار، كما أن بعض مناطق جبل لبنان معرضة أيضًا لهذا الخطر”.
إلى ذلك، كشف الدكتور متري، عن أن “لبنان لا يملك القدرات اللازمة للتعامل مع حريق هائل، فمواردنا البشرية والمالية والتقنية محدودة، وطيران الجيش اللبناني يمكنه أن يساعد في عملية الإطفاء ولكن بظروف معينة، فهو لا يعمل خلال المساء أو إذا واجه رياحًا، لذلك لا يمكننا الإتكال على الإطفاء الجوي، وهناك أزمة في الإطفاء البري خصوصًا في حال نشوب عدد كبير من الحرائق في مناطق مختلفة بالوقت ذاته”.
وشدد متري على “ضرورة عدم استخدام النار لأي سبب كان، وعلى البلديات أن تلعب دورها ضمن نطاقها البلدي وأن تتأكد من أن أحراجها آمنة”.
ورأى أن “المياه لاعب أساسي في التدخل السريع لإطفاء الحرائق، وتحديدًا خلال أول 15 دقيقة، لمنع تمدد النيران”، مشيرا إلى أن “الدفاع المدني يعاني في بعض الأماكن من أزمة شح المياه، كذلك طوافات الجيش التي لا ترصد دائمًا مصدرًا قريبا للمياه بالسرعة المطلوبة، فعملية تعبئة سلّة “الهيلكوبتر” تأخذ حوالي ساعة من الوقت”.
وأردف في السياق: “أما في عدد من المناطق، فهناك مصادر مياه يمكن الوصول إليه بسهولة، لأن بعض البلديات والمحميات والجمعيات أنشأت برك مياه مخصصة لإطفاء الحرائق لمساعدة الدفاع المدني والجيش خلال الصيف”.
وأكد متري لموقعنا، “ألا حرائق طبيعية في لبنان، فهناك حرائق مفتعلة بهدف الأذية، أي أن الإنسان يتسبب في اندلاعها للحصول على الحطب للتدفئة أو لتغيير وجهة استعمال الأراضي أو لشق طريق وغيرها من الأسباب، وهذه جرائم يحاسب عليها القانون”، موضحًا أن “هناك حرائق مفتعلة عن غير قصد، وتعتبر حوادث، مثلًا إذا حاول مزارع تنظيف أرضه من الأعشاب وفقد السيطرة على النيران.”
وذكر أن “الموارد قليلة جدًّا، لذلك علينا تفادي الأسوأ وأوّلا الابتعاد عن استخدام النيران، وثانيًا الإبلاغ عن أي دخان قد نرصده في الأحراج، للتدخل سريعًا واحتوائه”.
في هذا الإطار، اعتبر متري، أن “لبنان لم يصبح حتى الساعة صحراويًّا، ولكن إذا استمر التعدي على الغطاء الحرجي بهذا الشكل، قد تشهد مناطق حرجية تغييرًا في بيئتها يؤدي إلى مناخ صحراوي في نهاية المطاف”، متابعًا: “نملك ثروة حرجية مهمة جدا ومسؤوليتنا اليوم كمعنيين ووزارات ومواطنين، الحفاظ عليها للأجيال القادمة، لأنها جزء من ثقافة لبنان”.
ولفت إلى أن “التعديات تتزايد خاصة من العام 2019، عبر القطع الجائر للأشجار المعمرة منها الأرز للأسف. وقبل الـ2019، كانت التعديات بهدف شق طرقات وبسبب التمدد العمراني والكسارات، بالإضافة إلى الحرائق التي قضت على مساحات خضراء واسعة”.
كما أشار إلى أن “وزارة البيئة أصدرت تحذيرات بعدم استخدام النيران خصوصًا لتنظيف الأراضي العشبية من قبل المزارعين، علمًا أن قانون الغابات اللبناني يمنع استخدام أي مصدر للنار بالقرب من الغابات أي بمسافة تقل عن الـ500 متر، خلال فترة الجفاف هذه”.
وفي ختام حديثه، شدد متري على أن “وزارة البيئة لعبت دورًا كبيرًا ومهمًّا في مجال مكافحة الحرائق، من خلال الخطة الطارئة للتعامل مع خطر الحرائق التي وضعتها عام 2022، وأبرز مكوناتها دعم فرق المستجيب الأول في المناطق الأكثر عرضة، كما التوعية وإصدار التحذيرات للمجموعات التي تشكلت ضمن هذه الخطة، كما أنها تبقى على تواصل مباشر معها في حال اندلاع أي حريق”، معتبرًا أن “صيف 2022 أثبت نجاح هذه الخطة على الصعيد المحلي، وهذه السنة أيضًا، ولكن هذا لا يعني أننا تخطينا مرحلة الخطر”.
إذًا، مع أزمة المياه المستفحلة وضعف الموارد والإمكانات اللوجستية، يبقى الحل الأساس بيد المواطنين، عدم افتعال أي حريق والتبليغ سريعًا في حال حدوثه، وإلا على “لبنان الأخضر” السلام!