كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
تتقدَّم عمليات الحفر واستكشاف النفط والغاز التي تجريها المنصّة العائمة في الـ”بلوك 9″ في المياه الإقليمية اللبنانية بقيادة “توتال إنرجي”، بوتيرة سريعة جداً من دون أي صعوبات أو عراقيل، بحسب المعلومات المتداولة في الساعات الأخيرة والتي رجّحت أن تصدر النتائج الأوّلية لعملية الحفر قبل 15 يوماً من الموعد المحدَّد!
هذه المعطيات حملتها “المركزية” إلى خبير الطاقة الدولي رودي بارودي لاستشراف أي معطى جديد في الأمد القريب، وعما يتوقّعه من المرحلة الاستكشافية مع بدء عمل الباخرة TRANSOCEAN BARENTS في البلوك 9، فيُجيب بارودي: لقد قام الكونسورتيوم الذي تترأسه شركة “توتال” والذي يضمّ شركات “توتال” و”إيني” و”قطر للطاقة” بما وعد به والتزم باستئجار هذه المنصّة الاستكشافية الرئيسية. لكن للأسف، لم تقم الحكومة اللبنانية بدورها بعد، فلبنان يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى انتخاب رئيس للجمهورية وهو أمر مهم جداً للبلاد. كما على السلطات اللبنانية القيام بالكثير من الإصلاحات العاجلة، والأكثر إلحاحاً هو إحياء و/أو تعيين هيئة جديدة لإدارة قطاع البترول اللبنانية، علماً أنه تم تشكيل الهيئة في العام 2012، وقام أعضاؤها بأعمال كثيرة ومهّدوا الطريق أمام عملية الاستكشاف، إنما انتهت مدة ولاية الهيئة في العام 2018، ومنذ ذلك الحين غادر العديد من أعضائها لبنان أو استقال.
ويُضيف: الإصلاح الثاني الأكثر أهمية هو الإصلاح القضائي على المستويات كافة من أجل حماية مصالح لبنان وشركات النفط والغاز الكبرى. ومن المعروف أن القضاء المستقل يجذب الاستثمارات المهمة، من هنا فإن استعادة الثقة بالقضاء وعلى كل الأصعدة، واجبٌ. إضافة إلى ذلك، من الضروري تطبيق الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي ولا سيما الإصلاحات المالية التي تعطي الثقة مجدداً بالقطاع المصرفي، وبالطبع يجب إقرار قانون صندوق سيادي يوافق بين الحاجات اللبنانية والمبادئ العالمية، خصوصاً لناحية الشفافية. لذلك ينبغي القيام بدراسة معمّقة لقانون الصندوق السيادي ليكون صندوقاً شفافاً يمكنه أن يؤدي واجباته على أكمل وجه، خصوصاً أن الثروة النفطية هي ملك الشعب اللبناني ويُفترض عدم التفريط بها.
ولم يغفل بارودي الإشارة في هذا المجال، إلى أنه “في حال وجد لبنان النفط في مياهه الإقليمية، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) الذي سيحتاجه الكونسورتيوم الذي تترأسه “توتال”، سيتراوح بالتأكيد ما بين 1 و3 مليارات دولار، وذلك حسب البنية التحتية اللازمة. علماً أن الاستثمار الأجنبي المباشر يحتاج دائمًا إلى سيادة القانون والشفافية المطلقة والاستقرار السياسي”.
موجودات الـ”بلوك 9″
وعن رأيه في احتمالية موجودات الـ”بلوك 9″ وعما إذا كان هناك من أمل، يقول بارودي “إذا نظرنا إلى هذه الخريطة الحصريّة لـ”المركزية” والتي تُظهر موقع باخرة BARENT Ocean Rig، سنرى من موقعها أنها بالكاد تبعُد 3 أميال فقط عن خطوط الحدود البحرية الجديدة بين لبنان وإسرائيل. وإذا نظرنا أيضًا إلى الجنوب الغربي، فهي بعيدة حوالي 8.3 أميال، هذه هي المسافة التي تفصلها عن حقل غاز “كاريش”. إضافة إلى ذلك، فإن أن سفينة الحفر لا تبعُد أكثر من 25-30 ميلاً عن الخطوط البحرية اللبنانية القبرصيّة حيث تم اكتشاف كميّات تجاريّة. من هنا، فإن احتمال وجود كميّات تجاريّة في البلوكات اللبنانية 8 و9 و10 وفقًا لعلماء الجيولوجيا الأميركيين، مرتفعة جدًا.
ويُلفت في هذا السياق، إلى أن “مساحة الـ”بلوك 9″ تبلغ حوالي ± 1700 كيلومتر مربّع، ومساحة الـ”بلوك 8″ من ± 1400 كيلومتر مربّع، ومساحة الـ”بلوك 10” ± 1380 كيلومتراً مربّعاً على بُعد أميال قليلة جنوبًا، حيث تقع حقول الغاز مثل “تمار” و”كاريش” و”ليفياثان”، ويُضيف: يتمتّع لبنان وحوض “ليفياثان” بشكل عام، بإمكانات عالية جداً ليس فقط في البحر إنما أيضاً في البرّ. هذا ما أكّدته دراسات عديدة موثوقة منذ العام 1992.
ويختم بارودي: بالتالي، هناك إمكانات كبيرة لاستكشافات تجاريّة واعدة، ما يحتاج إليه لبنان هو الاستعداد لتلقي الموارد النفطية والغازية بطريقة آمنة لضخ هذه الثروة في الاقتصاد والتنمية الاجتماعية والرعاية الصحية، وإطفاء الديون المالية… كل ذلك، شرط إجراء إصلاحات حقيقيّة وعلى كل الأصعدة المالية والاقتصادية، وإبعاد المناكفات السياسية عن هذا الملف الحساس.