كتب منير الربيع في “المدن”:
نجحت السعودية عملياً في إعادة فرنسا إلى كنف الخماسية. انطوت زيارة المبعوث الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، على تراجع عن كل الاجتهادات الفرنسية التي مورست على الساحة اللبنانية، وفُسّرت بأنها خروج على ما كان قد اتفق عليه في السابق في اجتماعات الدول الخمس، في باريس وفي الدوحة. أعلن لودريان صراحة عدم استعداد فرنسا للخروج من الملف اللبناني والإعلان عن فشل مبادرتها. لذلك لا بد لها من أن تعيد تموضعها إلى جانب ما تم الاتفاق عليه، لا سيما في ظل التفاهم السعودي القطري الأميركي، والالتقاء على موقف واضح يتصل بالمواصفات الرئاسية، وبالوصول إلى تسوية توافقية لا تغلّب طرفاً على آخر في لبنان. في اللقاءات التي عقدها لودريان مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، والمستشار في رئاسة مجلس الوزراء نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري، جدد التأكيد على ضرورة الذهاب إلى مرشح ثالث.
مساءلة سعودية للودريان
كان الموقف السعودي واضحاً، بأن السعودية وغيرها من الدول لا تزال ثابتة على مواقفها، فيما فرنسا هي التي غيّرت وتخلت عن مضمون الاتفاقات. فبعد اجتماع باريس في 6 شباط 2023، خرجت باريس من الاتفاق وعملت وفق مبادرة غير متفق عليها، تنص على مبدأ المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. فلم تنجح في تحقيق ما تريد. وخلال اجتماع تموز 2023، في الدوحة، تم الاتفاق على أن الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية وليس للحوار، يقول السعوديون للفرنسيين، وأنه لا بد من الضغط على اللبنانيين كي يذهبوا إلى المجلس النيابي، بدلاً من الذهاب إلى الحوار، الذي سيكون مضيعة للوقت، لكنكم غيرتم موقفكم وعدتم لطرح فكرة الحوار أو المناقشات، وهذا خروج جديد عن المسار المتفق عليه.
وتضيف المصادر، أن لودريان أراد تبرير هذه الخطوة من خلال تأكيد أنها تهدف إلى جمع اللبنانيين ودفعهم إلى الاتفاق. ولكنه عاد وأكد أن باريس حريصة على العمل ضمن الخماسية. كما أشار إلى أنه لا يمكن لباريس أن تعلن فشل مبادرتها، لأن ذلك سيكون له انعكاس سلبي عليها داخلياً وخارجياً، خصوصاً إزاء ما تواجهه في أفريقيا. ومما قيل للودريان أيضاً، أنه لا يمكن له أن يتفق مع الخماسية على نقاط محددة، وبعدها يكون هناك من لا يزال يحاول العرقلة أو تغيير المسار من ضمن الإدارة الفرنسية أيضاً. وهذا الاختلاف في طريقة الإدارة بين الفرنسيين هو الذي ينعكس سلباً على المسار الفرنسي، خصوصاً عندما يعلن لودريان أنه لا بد من الذهاب إلى مرشح ثالث، بينما يجري أحد المسؤولين الفرنسيين اتصالات ببعض المسؤولين اللبنانيين، ويبلغهم بأن باريس لا تزال على مبادرتها القديمة وتستمر في منح الدعم لترشيح سليمان فرنجية. عندها تدخل لودريان مؤكداً أنه هو الذي يتولى الملف، وهو يتحدث باسم رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون.
عودة لودريان
عملياً، سيعود لودريان إلى بيروت ويعقد لقاءات ثنائية مع الكتل النيابية، وسيحاول الدفع باتجاه الذهاب إلى عقد جلسات انتخابية متتالية ومفتوحة. وهو سيحاول الحصول على تعهد من رئيس مجلس النواب نبيه برّي بذلك.
تصف مصادر ديبلوماسية عربية أن فرنسا أصبحت بحاجة لتعديل خطواتها والعودة للتقارب أكثر مع الدول الخمس، خصوصاً في ظل التحرك القطري، والذي يمكن أن يحقق تقدماً على حساب الفرنسيين. وبالتالي، فإن فرنسا لا تريد أن تخرج من الخماسية. ولذا، هي مضطرة لتعديل موقفها. وحسب ما اتفق عليه في الاجتماع، يُفترض بلودريان أن يضغط على الثنائي الشيعي للتخلي عن سليمان فرنجية، والذهاب للاتفاق على مرشح ثالث، أو إلى جلسات الانتخاب المتتالية والمفتوحة، وإلا سيكون هناك حاجة لفرض عقوبات.