كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
أن يمدّد الموفد القطري إقامته في لبنان أياماً إضافية لا يعني توافر عناصر التفاؤل. وأن يحدّد الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان موعداً لعودته قريباً إلى لبنان لا يعني أنّه سيأتي حاملاً صيغة جديدة رئاسياً. التقاطع بين مساعي الموفدين القطري والفرنسي حول الخيار الثالث رئاسياً لا يلغي الخلاف في مقاربة الإستحقاق كل من وجهته. إنّ مساعي كل منهما تؤكد الخلافات بين أعضاء «الخماسية»، وتوضح بلا لبس أنّ الفرنسي يحلّق في فضائه وموفده يعود ليبذل محاولته الأخيرة قبل أن يسحب تفويضه نهائياً.
بدعوته للبحث في الخيار الثالث، تخرج علاقة الثنائي الشيعي مع الموفد الفرنسي عما كانت عليه منذ مجيئه، وقد سبقهما إلى الخروج من معادلة سليمان فرنجية. مبادرته المقبلة ستنطلق من هذا الطرح بما يؤشر إلى التنافس مع القطري. الطرفان يستظلان «الخماسية»، ولكن هل يكون إخراج الخيار الثالث بواسطة القطريين أو لودريان؟ وهل فعلاً تجاوز أعضاء اللجنة خلافاتهم؟
يوضح محضر الاجتماع الثالث للجنة الخماسية الذي عقد في نيويورك في العشرين من أيلول الحالي مقدار الإهتمام الدولي بلبنان الذي لم يعد على جدول أولويات الدول الكبرى بدليل مدّة الاجتماع الذي لم يدم أكثر من نصف ساعة.
في قراءة ديبلوماسية للإجتماع، إن أول الإخفاقات ظهر بمستوى الحضور، إذ دعا الجانب الفرنسي الدول الأربع إلى اجتماع يعقد على مستوى وزراء الخارجية في مقرِّ البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة، فلبّيت الدعوة على مستوى سفراء أو ممثّلين عن وزراء الخارجية باستثناء قطر التي تمثَّلت بوزير الدولة في الخارجية محمَّد الخليفي.
وجاء في ملخص عن محضر الإجتماع أنّ ممثّلة فرنسا عرضت نتائج زيارات موفدها الوزير السابق لودريان للبنان والعوائق التي اعترضت تقدّم المبادرة الفرنسية، مسمّية «حزب الله» أنَّه أحد هذه العوائق بسبب تعنّته بالتمسَّك بترشيح فرنجية، مقابل جوٍّ مسيحي عام يعتبر أنَّ «حزب الله» يشكِّل خطراً على المسيحيين، الذين يرفضون أنّ يفرض «حزب الله» رئيساً للجمهورية. وتطرَقت إلى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي التي دعت إلى سبعة أيام حوار، تنتهي بإنتخاب رئيس للجمهورية. وقبل أن تختم كلامها، قاطعتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربارا ليف لتقول: «إنَّ الهدف ليس الحوار، بل انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يمكن المضيَّ إلى ما لا نهاية بحوارٍ لا يفضي إلى انتخاب رئيس».
فردّت مندوبة فرنسا قائلةً إنَّ لودريان سيزور لبنان مطلع تشرين الأوَّل، لتقاطعها المندوبة الأميركية مجدداً، فتقول: «إنَّ هذه الزيارة في تشرين يجب أن تكون الأخيرة»، بما يعني وضع سقف زمني محدَّد للمبادرة الفرنسية وللشغور الرئاسي قائلة إنّ بلادها لا يمكنها أن تُكمل في مساعداتها للجيش اللبناني في غيابِ حلٍّ سياسي شامل ومتكامل.
وأعلن السفير السعودي في الأمم المتحدة، الذي لم يمكث أكثر من خمس عشرة دقيقة في الاجتماع، أنَّ بلاده تدعم اللبنانيين في مشاوراتهم واتفاقهم لإختيار رئيس جامعٍ يقود عملية الإصلاح. وأكدَّ أنَّ السعودية تحجب الآن المساعدات عن لبنان، لأنَّ الوضع السياسي المتعثرٍّ على حاله، رابطاً هذه المساعدات بحلِّ الأزمة.
أمّا ممثل قطر فعبَّر بوضوح عن ضرورة وضع حدٍّ نهائي للشغور الرئاسي في أسرع وقتٍ ممكن، من دون أن يحدّد مهلةٍ زمنية للمبادرة الفرنسية كما فعلت ممثِّلة الولايات المتحدة، بل سأل: هل هناك أفق لمبادرة لودريان؟
وفي ختام الاجتماع القصير طلبت ممثلة فرنسا صدور بيان مشترك، لكنَّ أيّاً من الشركاء لم يرغب في الخروج بأي بيان، معتبرين أنَّ بيان الدوحة الصادر عن اللجنة الخماسية في 17 تموّز الماضي ما زال المرجعية الصالحة لأيَّ خطّة عمل. وهو البيان الذي دعا النواب إلى التزام مسؤولياتهم الدستورية والشروع في انتخاب رئيس للبلاد، ولوّح بخيارات اتخاذ إجراءات ضد المعرقلين لإحراز تقدم في هذا المجال.
إزاء تشدّد «الخماسية»، من المتوقع أن يكون «الثنائي» أكثر تشدداً حيال التمسك بفرنجية بدليل «انسحاب رئيس مجلس النواب نبيه بري من الحوار وتحميله الموارنة المسؤولية»، وفق ما فسّر البعض موقفه. مصادر «التيار الوطني الحر» قالت إنّ «اتهام الموارنة إمعان في التقدير الخاطئ لأنّ «التيار» لم يرفض فكرة الحوار وقد شجع الفرنسيين عليه، لكن الواضح أنّ بري يريد الحوار بشروطه ولن تعطى له». وأضافت المصادر «نحن أعطينا الأولوية للحوار قبل الانتخابات، لكن الواضح أنّ بري كان يريد الحوار منبراً لتثبيت أولوياته».
وانتقدت المصادر موقف بري والنائب السابق وليد جنبلاط باعتبار أنّ «أهل البيت أدرى بما فيه»، وقالت «نحن معنيون بألا يطول الخلو، لكن ملء الشغور لا يمكن أن يتم بفرض موازين قوى لا تأخذ في الاعتبار خيار الموارنة في رئاسة الجمهورية»، مستغربة «اتهام الموارنة بتعطيل الحوار وتأخير الرئاسة، في وقت كل منهم يرفض حتى البحث معه فيما لو كان المنصب يتعلق بطائفته».