تقرير ماريا خيامي:
أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2024، بعد الانتهاء من مناقشة بنودها كاملة، وتقدّر النفقات بنحو 300.5 تريليون ليرة مقابل نفقات بنحو 258.7 تريليون ليرة، مع نسبة عجز تبلغ 13.8 في المئة.
في المشروع الرئيسي، كان الاتجاه نحو جباية رسوم وضرائب بالدولار، إلّا أن عدداً منها سقط في المناقشات الأخيرة لمجلس الوزراء، ومنها ما يتعلّق بفواتير الكهرباء، مع الإبقاء على رسوم المطارات والجمارك والمرفأ بالعملة الأجنبيّة.
والصدمة كانت بتشريع الرشوة في نصّ المادة 21، إذ يتم تعطيل المعاملات لإنجازها بعد تسديد قيمة بدل إضافي، إذ تجيز تقاضي بدل خدمات مأجورة مقابل خدمات سريعة وطارئة لدى غالبية الإدارات والمؤسسات العامة، ما يجعل إنجاز المعاملة في يوم واحد شبه مستحيل إلا في حال سدد صاحب المعاملة الرسم الاضافي، الذي تُوزع إيراداته على الموظفين.
وستُوزّع هذه الإيرادات على: 50% لموظفي المديرية العامة، أو المديرية التي قدّمت الخدمات، 20% للخزينة، 15% لصندوق تعاضد موظفي الإدارات العامة، 10% لموظفي الإدارات التي لا تقدم خدمات، و5% لموظفي الهيئات الرقابية.
وبهذه الطريقة، تشرّع الحكومة تقاضي الرشى علناً بعدما كانت تُدفع من تحت الطاولة، وتسمح للموظفين بالمفاضلة بين معاملة وأخرى.
الهدف من مشروع الموازنة العامة لعام 2024 هو زيادة واردات الخزينة بسبب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية نتيجة الانهيار الذي وقع بسبب سياسة الحكومات المتعاقبة. وكان الأجدى على الحكومة أن تعالج أسباب الانهيار ولجمه فوراً قبل اللجوء إلى فرض ضرائب جديدة.
فمن خلال هذه الموازنة، تأمر الحكومة بتقاضي ضرائب تزيد 30 مرة عن سابقاتها، في حين لم تزد مداخيلها، كما أنها حرمت القوات المسلحة من مبلغ 439 ملياراً بدل تجهيزات (البند 4 من المادة 15 من مشروع الموازنة) وهذا المبلغ يعتبر من الأمور الأساسية لضبط أمن البلد.
وفي السياق، يوضح الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم أنه “رغم تشريع الرشوة تحت الغطاء القانوني، فإن الهدف من هذا القرار هو التوقف عن الاستعانة بالسماسرة ودفع مبالغ مالية لهم بغية تسيير المعاملات، والتوجه للإدارات العامة بدلاً عنها.”
ويتخوّف الحكيّم، في حديث لموقع IMLebanon من عدم تسيير معاملات المواطنين إلا من خلال دفعهم مبالغ مالية إضافية، وعندها باستطاعة المقتدر فقط انهاء معاملاته.
وقال: “هناك جانب ايجابي نوعاً ما في هذه المادة، وهو تنظيم وتحديد المبالغ المدفوعة لتسيير المعاملات، إذ ان المواطن يدفع للسمسار مبالغ كبيرة وتختلف من يوم لآخر ومن شخص لآخر، ولكن من خلال هذا القرار، يحدد المبلغ الذي يتم تقاضيه، تماماً كما رأينا سابقاً في موضوع الخبز والبنزين وغيره.. فصاحب المعاملة يفضّل أن يدفع مقابل الخدمة، على ألّا يحصل عليها أبداً.”
إلى ذلك، لم تلحظ الموازنة أيّ زيادات فعلية على مستوى الأجور وملحقاتها ومعاشات التقاعد والتعويضات والتقديمات الأخرى التي تمنح لموظفي القطاع العام، بل تبيّن أن الزيادة الوحيدة الكبيرة التي لحقت بهؤلاء هي تلك المتعلّقة بالتقديمات المدرسية، التي زادت من 1408 مليارات ليرة إلى 14112 مليار ليرة، بينما بند الأجور وملحقاتها انخفض من 30486 مليار ليرة إلى 29630 مليار ليرة.
وهنا يطرح السؤال أيضاً عمّن سيحصّل هذه الضرائب إذا بقي القطاع العام معطّلاً.