كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
خلال اجتماع اللجنة الدولية الفرعية المخصّص لدراسة الوضع في سوريا، الذي حضره مندوب لبنان في الأمم المتحدة السفير هادي هاشم، بدت المداخلات رتيبة للغاية. لم تغيّر الدول الغربية مواقفها المعارضة لعودة النازحين، وإن كان لكل دولة من الدول المشاركة أسبابها وأهدافها للمعارضة. وكان لافتاً غياب أيّ مبادرات أو تعاطف مع موقف لبنان الذي يستقبل عدداً من النازحين يفوق قدرته على استيعابهم.
يقارب المجتمع الدولي ملف النازحين في لبنان بسلبية مطلقة، يرفض عودتهم أو المساهمة في إعادة إعمار المناطق المدمرة، ويشترط حلاً سياسياً متعذراً. ومن أين يأتي الحل السياسي والمفاوضات التركية السورية مجمدة؟ ومن يحرّك المسار السوري العربي البطيء للغاية بدليل تجميد اللجنة العربية السداسية اجتماعاتها للبحث في ملف النازحين؟ أمّا الخطوات السعودية تجاه سوريا فلم تعد بالزخم الذي انطلقت به فاقتصرت عودة العلاقة على افتتاح القنصلية السعودية في سوريا، بينما اقتصرت العلاقة مع الإمارات، وهي أول العائدين إلى سوريا،على تقديم مساعدات إنسانية فقط.
في المقابل لم تعد سوريا موحّدة، بل تقسّمت إلى أربع مناطق: الأولى مع المعارضة على حدود تركيا، والثانية مع الأكراد بدعم أميركي، والثالثة تابعة للنظام، أمّا الرابعة أي السويداء فتشهد حراكاً هدفه الحصول على إدارة ذاتية. هذا الوضع قد يستمر سنوات ما يعني أنّ الأزمة ستزيد تعقيداً في بلد يفتقد مقوّمات الحياة في ظل وضع اقتصادي كارثي ينذر بمغادرة المزيد من أعداد النازحين عبر معابر معروفة، ولكن لا ارادة محلية – دولية لإقفالها بعد. ولذلك تتوقع مصادر معنية بالملف أن يشهد لبنان موجات نزوح جديدة وبأعداد كبيرة ما يجعل هؤلاء قنبلة موقوتة قد تنفجر في أقرب فرصة.
فماذا تبقى للبنان إزاء تصرف المجتمع الغربي الرافض عودة النازحين؟ وماذا يبقى من وسائل مواجهة يمكنه أن يتّبعها اذا كانت سوريا غير قادرة على استيعابهم، وترفض أوروبا الموافقة على إعادتهم؟
تؤكد المصادر المعنية أنّ أولى الخطوات هي في موقف لبناني موحّد لمخاطبة المجتمع الدولي ورفض استقبالهم على الأراضي اللبنانية لعدم قدرة لبنان على تحمل أعباء استضافتهم. كما يمكن للجيش اللبناني إحكام إقفال المعابر غير الشرعية وتوقيف الجهات التي تعمل على تسهيل عبور النازحين مقابل مبالغ مالية ضخمة، واتخاذ المجلس النيابي تشريعات وقوانين تمنع النازح السوري الذي يذهب لتمضية العطل في بلاده من الدخول مجدداً إلى لبنان، وفتح المعابر البحرية أمام المهاجرين، ومطالبة الأمم المتحدة بأرقام واقعية عن أعدادهم ومناطق انتشارهم وفرض التعامل مع قضية النازحين كموضوع خطير يهدّد المجتمع اللبناني.
وحكومياً، بدل الإكتفاء بتشكيل لجنة وزارية والقيام بزيارات رفع عتب لبنانية والتعامل بشيء من الإخفاق المسبق يجب إعلان حالة طوارئ حكومية لمواجهة خطر تدفق النازحين. مصادر سياسية مواكبة أسفت «لأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي صودف وجوده على رأس الحكومة في بداية أزمة النزوح عام 2011 وفي مراحل انفجار مخاطره اليوم، لم يتخذ وهو على رأس الحكومة أي قرار أو إجراء للحدّ من توافد قوافل النازحين، والغريب أنّ حكومته التي تجتمع لأسباب أقل خطورة، لا تولي الملف الأهمية اللازمة».
وتقول مصادر مطلعة على الموقف السوري إنّ سوريا لا تمانع في عودتهم، لكنّها تريد تأمين ظروف العودة التي تفوق قدرتها من الناحية المالية والإقتصادية، وهذا ما عبّر عنه نائب وزير الخارجية السورية بسام صباغ لدى لقائه الوفد اللبناني برئاسة وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، إذ قال صراحة إنّ مقومات العودة غير متوافرة وهي من مسؤوليات المجتمع الدولي الذي لم يلتزمها. وترى سوريا أنّ من ساهم في الخراب يجب أن يساهم في تأمين مستلزمات العودة. وليس معلوماً ما الذي ستقدمه زيارة الوفد الوزاري لدمشق فيما لم يقم رئيس الحكومة بأي مبادرة تجاه سوريا للبحث جدياً وبعمق في أساس المشكلة وسبل حلّها.
ومن يراجع المسؤولين السوريين ويستفسر عن مستوى التنسيق اللبناني حيال هذا الموضوع لا يلمس وجود مستجدات ولا خطوات جدية، بل مجرد مزايدات سياسية. وحده الإجتماع الذي عقده الوفد اللبناني مع السيد بسام صباغ استعرض واقع الحال بعناوين عريضة، بينما لم يتم الإتفاق بعد على موعد رسمي للقاء وزيري خارجية لبنان وسوريا، وهما لم يلتقيا بعد، ولم تتسلم الخارجية السورية أي طلب لزيارة الوفد الوزاري اللبناني.
وعلم أنّ رئيسي لجنتي التنسيق الأمنية والعسكرية بين لبنان وسوريا عقدا إجتماعاً تمهيدياً واتفقا على اجتماع موسع للجنة يعقد قريباً في حضور ممثلين عن الأمن العام اللبناني لمناقشة واقع النزوح وتقديم اقتراحات الحل للأزمة، على أن يتم التنسيق مع الخارجية في شأنها لاحقاً. كما علم أنّ المدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري زار سوريا مرتين خلال الأيام القليلة الماضية للبحث في ملف النزوح السوري والإجراءات الكفيلة بالحد منه.
وإزاء المعالجات الرسمية البطيئة وتعمّد غضّ الطرف الرسمي إرضاءً للمجتمع الدولي والإصرار على ابقاء الحدود البرية مفتوحة بينما تقفل الحدود البحرية بتوصية من دول القرار، تبرز المعالجات المحلية، ولذا سيتم التركيز على دور البلديات في أن تقوم بواجبها، وعلم أيضاً أنّ اللجنة المشتركة المؤلفة من مسؤولي ملف النزوح في «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» ستتخذ إجراءات معينة من خلال البلديات التي يمونان عليها، وأنّ هناك خطة عمل قريبة ستنفّذ في هذا الموضوع.